على البناء للمفعول ، ومساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل. والباقون من السبعة بفتح تاء الخطاب ، ـ على البناء للفاعل ـ و (مَساكِنُهُمْ) بالنصب على أنه مفعول به .. (١).
وقوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أى : مثل ذلك الجزاء المهلك المدمر ، نجازي القوم الذين من دأبهم الإجرام والطغيان.
وهكذا طوى ـ سبحانه ـ صفحة أولئك الظالمين من قوم هود ـ عليهالسلام ـ وما ظلمهم ـ سبحانه ـ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ولم تكتف السورة الكريمة بعرض مصارع هؤلاء المجرمين ، الذين لا يخفى أمرهم على المشركين المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم بل أخذت في تذكير هؤلاء المشركين ، بما يحملهم على الزيادة من العظة والعبرة لو كانوا يعقلون ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ، وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً).
و «ما» في قوله : (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) موصولة. و «إن» نافية. أى : والله لقد مكنا قوم هود وغيرهم من الأقوام السابقين عليكم ـ يا أهل مكة ـ في الذي لم نمكنكم فيه ، بأن جعلناهم أشد منكم قوة ، وأكثر جمعا ، وأعطيناهم من فضلنا أسماعا وأبصارا وأفئدة.
فالمقصود من الآية بيان أن المشركين السابقين ، أعطاهم الله ـ تعالى ـ من الأموال والأولاد والقوة .. أكثر مما أعطى الكافرين المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم.
ولكن هؤلاء الطغاة السابقين لما لم يشكروا الله ـ تعالى ـ على نعمه كانت عاقبتهم الهلاك ، كما يدل عليه قوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ ..). أى : أعطيناهم من النعم ما لم نعطكم يا أهل مكة ، ولكنهم لما لم يشكرونا على نعمنا ، ولم يستعملوها في طاعتنا ، أخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، دون أن تنفعهم شيئا أسماعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم ، حين نزل بهم عذابنا ، بل كل ما بين أيديهم من قوة ومن نعم ذهب أدراج الرياح وصار معهم هباء منثورا.
و «من» في قوله : (مِنْ شَيْءٍ) لتأكيد عدم الإغناء. أى : ما أغنت عنهم شيئا حتى ولو كان هذا الشيء في غاية القلة والحقارة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن ما أصابهم من دمار كان بسبب جحودهم للحق واستهزائهم به ، فقال : (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٣٤.