أى : هذا الهلاك والدمار الذي حاق بهم ، كان بسبب جحودهم لآيات الله الدالة على وحدانيته وكمال قدرته ، واستهزائهم بما جاءهم به رسلهم من الحق.
ومن الآيات القرآنية التي وردت في هذا المعنى ، قوله ـ تعالى ـ : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ. فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢).
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذا التذكير والتخويف للمشركين ، تذكيرا وتخويفا آخر ، فقال : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) أى : والله لقد أهلكنا ما حولكم يا أهل مكة من القرى الظالمة ، كقوم هود وصالح وغيرهم.
(وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أى : كررناها ونوعناها بأساليب مختلفة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما كانوا عليه من الشرك والفجور ، ولكنهم لم يرجعوا عما كانوا فيه من ضلال وبغى ، فدمرناهم تدميرا ..
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) أى : فهلا نصرهم ومنعهم من الهلاك. هؤلاء الآلهة الذين اتخذوهم من دون الله قربانا يتقربون بهم إليه ـ سبحانه ـ كما قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).
«فلولا» هنا حرف تحضيض بمعنى «هلا» والمفعول الأول لاتخذوا محذوف أى : الذين اتخذوهم ، و (آلِهَةً) هو المفعول الثاني ، و «قربانا» حال. وهو كل ما يتقرب به إلى الله ـ تعالى ـ من طاعة أو نسك. والجمع قرابين.
وقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) إضراب انتقالي عن نفى النصرة إلى ما هو أشد من ذلك.
أى : أن هؤلاء الآلهة لم يكتفوا بعدم نصر أولئك الكافرين ، بل غابوا عنهم وتركوهم وحدهم ، ولم يحضروا إليهم .. وذلك الغياب الذي حدث من آلهتهم عنهم. مظهر من مظاهر كذب هؤلاء الكافرين وافترائهم على الحق في الدنيا ، حيث زعموا أن هذه الآلهة الباطلة ستشفع لهم يوم القيامة ، وقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ...) وها هم اليوم لا يرون آلهتهم ، ولا يجدون لهم شيئا من النفع.
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ٨.
(٢) سورة غافر الآية ٨٢.