وبعد هذا التذكير والوعيد للكافرين ، بيّن ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر تكريمه لنبيه صلىاللهعليهوسلم حيث أرسل له نفرا من الجن ، يستمعون القرآن ، ويؤمنون به ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢)
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ...) هذا توبيخ لمشركي قريش. أى : أن الجن سمعوا القرآن فآمنوا به وعلموا أنه من عند الله ، وأنتم معرضون مصرون على الكفر ..
قال المفسرون : لما مات أبو طالب ، خرج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الطائف ، يلتمس من أهلها النصرة ، ويدعوهم إلى الإيمان ... أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون به ..
فانصرف صلىاللهعليهوسلم عنهم ، حتى إذا كان ببطن نخلة ـ وهو موضع بين مكة والطائف ـ قام يصلى من الليل ، فمر به نفر من جن نصيبين ـ وهو موضع قرب الشام ـ فاستمعوا إليه وقالوا : أنصتوا .. (١).
وهناك روايات أخرى كثيرة في عدد هؤلاء الجن ، وفي الأماكن التي التقوا فيها مع النبي
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢١٠.