سبحانه ـ أعمالهم ، بأن جعلها ذاهبة ضائعة غير مقبولة عنده. كما قال ـ تعالى ـ : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (١).
قال صاحب الكشاف : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) أى : أبطلها وأحبطها : وحقيقته ، جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها ، كالضالة من الإبل ، التي هي مضيعة لا رب لها يحفظها ويعتنى بأمرها ، أو جعلها ضالة في كفرهم ومعاصيهم ، ومغلوبة بها ، كما يضل الماء اللبن. وأعمالهم ما كانوا يعملونه في كفرهم بما يسمونه مكارم : من صلة الأرحام ، وفك الأسرى.
وقيل : أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والصد عن سبيل الله ، بأن نصره عليهم وأظهر دينه على الدين كله (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) التي توافر فيها الإخلاص والاتباع لهدى الرسول صلىاللهعليهوسلم وقوله : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) من باب عطف الخاص على العام ، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل في الإيمان والعمل الصالح ، للإشارة إلى أنه شرط في صحة الإيمان ، وللإشعار بسمو مكانة هذا المنزل عليه صلىاللهعليهوسلم وبعلو قدره.
وقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) جملة معترضة ، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم وتقرير كماله وصدقه. أى : وهذا المنزل على الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو الحق الكائن من عند الله ـ تعالى ـ رب العالمين ، لا من عند أحد سواه.
وقوله : (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) خبر الموصول ، أى : والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة ، محا عنهم ـ سبحانه ـ ما عملوه من أعمال سيئة ، ولم يعاقبهم عليها ، فضلا منه وكرما.
فقوله : (كَفَّرَ) من الكفر بمعنى الستر والتغطية. يقال : كفر الزارع زرعه إذا غطاه ، وستره حماية له مما يضره. والمراد به هنا : المحو والإزالة على سبيل المجاز.
وقوله : (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) معطوف على ما قبله. أى : محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ، ما اقترفوه من سيئات ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ولم يكتف ـ سبحانه ـ بذلك ، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم. بأن وفقهم للتوبة الصادقة في الدنيا ، وبأن منحهم الثواب الجزيل في الآخرة.
__________________
(١) سورة الفرقان الآية ٢٣.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢١٥.