فالمراد بالبال هنا : الحال والأمر والشأن.
قال القرطبي : والبال كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ، ولا تجمعه العرب إلا في ضرورة الشعر ، فيقولون فيه بالات .. (١).
وهذه الجملة الكريمة وهي قوله : (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله ـ تعالى ـ إياها ، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب ، ممزق النفس ، مضطرب المشاعر والأحوال. أما الذي ينفعه فهو راحة البان. وطمأنينة النفس ، ورضا القلب ، والشعور بالأمان والسلام.
والإشارة في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ ..) تعود إلى ما مر من ذم الكافرين ، ومدح المؤمنين.
أى : ذلك الذين حكمنا به من ضلال أعمال الكافرين ، ومن إصلاح بال المؤمنين ، سببه أن الذين كفروا اتبعوا في دنياهم الطريق الباطل الذي لا خير فيه ولا فلاح. وأن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة في دنياهم ، اتبعوا طريق الحق الكائن من ربهم.
فالمراد بالباطل هنا. الكفر وما يتبعه من أعمال قبيحة ، والمراد بالحق : الإيمان والعمل الصالح.
وقوله (ذلِكَ) مبتدأ ، وخبره ما بعده.
وقوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) أى : مثل ذلك البيان الرائع الحكيم ، يبين الله ـ تعالى ـ : للناس أحوال الفريقين ، وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال ، وهي اتباع المؤمنين الحقّ وفوزهم ، واتباع الكافرين الباطل وخسرانهم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أين ضرب الأمثال؟ قلت : في جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار ، واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين ، أو في أن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار ، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين» (٢).
ثم أرشد الله ـ تعالى ـ : المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند لقائهم لأعدائهم ، وبعد انتصارهم عليهم ، كما بين لهم الحكمة من مشروعية القتال. والجزاء الحسن الذي أعده للمجاهدين ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٢٤.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣١٦.