إهلاك هؤلاء الأعداء ، فقال : (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ).
واسم الإشارة : خبر لمبتدأ محذوف ، أى : الأمر ذلك ، أو في محل نصب على المفعولية بفعل محذوف ، أى : افعلوا ذلك الذي أمرناكم به وأرشدناكم إليه واعلموا أنه ـ سبحانه ـ لو يشاء الانتصار من هؤلاء الكافرين والانتقام منهم لفعل ، أى : لو يشاء إهلاكهم لأهلكهم ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يفعل ذلك بل أمركم بمحاربتهم ليختبر بعضكم ببعض ، فيتميز عن طريق هذا الاختبار والامتحان ، قوى الإيمان من ضعيفه. كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما أعده للمجاهدين من ثواب عظيم فقال : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أى : والذين استشهدوا وهم يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله.
(فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) أى : فلن يضيع أعمالهم ولن يبطلها.
بل (سَيَهْدِيهِمْ) أى : بل سيوصلهم إلى طريق السعادة والفلاح.
(وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) أى : ويصلح أحوالهم وشئونهم وقلوبهم.
(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) أى : ويدخلهم بعد كل ذلك الجنة يوم القيامة ويهديهم إلى بيوتهم ومساكنهم فيها ، بحيث لا يخطئونها ، حتى لكأنهم يقيمون فيها منذ خلقوا ، وذلك كله بإلهام من الله ـ تعالى ـ لهم.
قال الآلوسى ما ملخصه : (عَرَّفَها لَهُمْ) هذا التعريف في الآخرة. قال مجاهد : يهدى أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم ، وحيث قسم الله ـ تعالى ـ لهم منها ، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا .. وذلك بإلهام منه ـ عزوجل ـ.
وورد في بعض الآثار أن حسناته تكون دليلا له على منزله فيها ، وقيل : إنه ـ تعالى ـ : رسم على كل منزل اسم صاحبه وهو نوع من التعريف.
وقيل : معنى عرفها لهم. طيبها لهم من العرف وهو الرائحة الطيبة ، ومنه طعام معرف ، أى مطيب.
وعن الجبائي أن التعريف في الدنيا ، وهو يذكر أوصافها ، والمراد أنه ـ سبحانه ـ لم يزل يمدحها لهم ، حتى عشقوها ، فاجتهدوا في فعل ما يوصلهم إليها .. (١).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ٤٣.