هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ وجوب قتال الكافرين بكل شدة وقوة ، حتى تضعف شوكتهم ، وتدول دولتهم ، ويخضعوا لحكم شريعة الإسلام فيهم.
وفي هذه المعنى وردت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
٢ ـ أخذ بعض العلماء من قوله ـ تعالى ـ : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أن الأسير من الأعداء يدور أمره بين هاتين الحالتين إما أن نطلق سراحه بدون مقابل ، وإما أن نطلق سراحه في مقابل فدية معينة نأخذها منه ، وقد تكون هذه الفدية مالا ، أو عملا ، أو غير ذلك مما فيه منفعة للمسلمين.
ويرى بعض العلماء أن هذه الآية منسوخة بقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (١).
ويرى المحققون من العلماء أن هذه الآية ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً). تحكى حالات معينة يكون أمر الأسرى فيها دائرا بين المن والفداء ، لأنهما من مصلحة المسلمين ، وهناك حالات أخرى يكون الأصلح فيها قتل الأعداء ، أو استرقاقهم.
فمسألة الأسرى من الأعداء ، يكون الحكم فيها على حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين ، ومرجع الحكم فيها إلى البصراء بالحرب وبوضع خططها ، لأنهم أعرف الناس بكيفية معاملة الأسرى.
وهذا الرأى الأخير هو الذي تطمئن إليه النفس ، لأنه الثابت من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن أفعال أصحابه ، ولأن ذكر المن والفداء لا ينافي جواز غيره كالقتل ـ مثلا ـ لأن هذا الغير مفهوم من آيات أخرى ذكرت هذا الحكم في أوقات وحالات معينة.
وقد رجح هذا الرأى كثير من العلماء ، منهم الإمام ابن جرير ، فقد قال ما ملخصه ـ بعد أن ساق جملة من الأقوال ـ : والصواب من القول عندنا في ذلك ، أن هذه الآية محكمة غير منسوخة لأنه غير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المن والقتل والفداء إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلى القائمين بعده بأمر الأمة. وإن لم يكن القتل مذكورا في هذه الآية ، لأنه قد أذن ـ سبحانه ـ بقتلهم في آيات أخرى منها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٥.