أنهم لو أعرضوا عن القتال وخالفوا تعاليم الإسلام فلن يكون منهم إلا الإفساد وقطع الأرحام ، وكذلك سيكون حالهم لو تولوا أمور الناس ، وكانوا حكاما لهم.
وقوله : (أَنْ تُفْسِدُوا ..) خبر عسى ، وقوله : (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ..) جملة معترضة ، وجواب (إِنْ) محذوف لدلالة قوله : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ ..) عليه.
أى : ما يتوقع منكم إلا الإفساد وقطع الأرحام ، إن أعرضتم عن تعاليم الإسلام ، أو إن توليتم أمور الناس ، فاحذروا أن يكون منكم هذا التولي الذي سيفضى بكم إلى سوء المصير ، الذي بينه ـ سبحانه ـ في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أى : طردهم من رحمته (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) بأن جعلهم بسبب إعراضهم عن الحق ـ كالصم الذين لا يسمعون ، وكالعمى الذين لا يبصرون ، لأنهم حين عطلوا أسماعهم وأبصارهم عن التدبر والتفكر صاروا بمنزلة الفاقدين لتلك الحواس.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدعو إلى التعجيب من حالهم فقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ..) والفاء للعطف على جملة محذوفة ، والاستفهام للإنكار والزجر. أى : أيعرضون عن كتاب الله ـ تعالى ـ فلا يتدبرونه مع أنه زاخر بالمواعظ والزواجر والأوامر والنواهي.
(أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، أى ، بل على قلوب هؤلاء المنافقين أقفالها التي حالت بينهم وبين التدبر والتفكر. والأقفال : جمع قفل ـ بضم فسكون ـ وهو الآلة التي تقفل بها الأبواب وما يشبهها ، والمراد : التسجيل عليهم بأن قلوبهم مغلقة ، لا يدخلها الإيمان ، ولا يخرج منها الكفر والنفاق.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟
قلت : أما التنكير ففيه وجهان : أن يراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك. أو يراد على بعض القلوب وهي قلوب المنافقين. وأما إضافة الأقفال ، فلأنه يريد الأقفال المختصة بها ، وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢).
وقد أخذ العلماء من هذه الآية وأمثالها ، وجوب التدبر والتفكر في آيات القرآن الكريم ، والعمل بما فيها من هدايات وإرشادات ، وأوامر ونواه ، وآداب وأحكام ، لأن عدم الامتثال
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٢٦.
(٢) سورة النساء الآية ٨٢.