ثم وجه ـ سبحانه ـ إلى عباده المؤمنين نداء خامسا ، نهاهم فيه عن أن يظن بعضهم ببعض ظنا سيئا بدون مبرر ، كما نهاهم عن التجسس وعن الغيبة ، حتى تبقى للمسلم حرمته وكرامته .. فقال ـ تعالى ـ.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (١٢)
وقوله ـ تعالى ـ (اجْتَنِبُوا) من الاجتناب يقال : اجتنب فلان فلانا إذا ابتعد عنه ، حتى لكأنه في جانب والآخر في جانب مقابل.
والمراد بالظن المنهي عنه هنا : الظن السيئ بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان.
قال بعض العلماء ما ملخصه : والظن أنواع : منه ما هو واجب ، ومنه ما هو محرم ، ومنه ما هو مباح.
فالمحرم : كسوء الظن بالمسلم المستور الحال ، الظاهر العدالة ، ففي الحديث الشريف : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ..» وفي حديث آخر : «إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء».
وقلنا : كسوء الظن بالمسلم المستور الحال ... لأن من يجاهر بارتكاب الخبائث .. لا يحرم سوء الظن به ، لأن من عرض نفسه للتهم كان أهلا لسوء الظن به.
والظن الواجب يكون فيما تعبدنا الله ـ تعالى ـ بعلمه ، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا ، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة الصحيحة ، كقبول شهادة العدل ، وتحرى القبلة ..
والظن المباح مثلوا له بالشك في الصلاة حين استواء الطرفين ...
وحرمة سوء الظن بالناس ، إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدى إلى الغير ، وأما أن تظن شرا لتتقيه ، ولا يتعدى أثر ذلك إلى الغير فذلك محمود غير مذموم ، وهو محمل ما ورد