من أن «من الحزم سوء الظن ..» (١).
أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا ، ابتعدوا ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين ، لأن هذه الظنون السيئة التي لا تستند إلى دليل أو أمارة صحيحة إنما هي مجرد تهم ، تؤدى إلى تولد الشكوك والمفاسد .. فيما بينكم ..
وجاء ـ سبحانه ـ بلفظ «كثيرا» منكرا لكي يحتاط المسلم في ظنونه ، فيبتعد عما هو محرم منها ، ولا يقدم إلا على ما هو واجب أو مباح منها ـ كما سبق أن أشرنا ـ.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) تعليل للأمر باجتناب الظن. والإثم : الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه. يقال : أثم فلان ـ كعلم ـ يأثم إثما فهو آثم إذا ارتكب ذنبا. والمراد بهذا البعض المذموم من الظن ما عبر عنه ـ سبحانه ـ قبل ذلك بقوله : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ).
أى : إن الكثير من الظنون يؤدى بكم إلى الوقوع في الذنوب والآثام فابتعدوا عنه.
قال ابن كثير : ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله ، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ، فليجتنب كثيرا منه احتياطا .. عن حارثة بن النعمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاث لازمات لأمتى : «الطيرة والحسد وسوء الظن» : فقال رجل : ما الذي يذهبن يا رسول الله من هن فيه؟ قال : «إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فامض» (٢).
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن المسيب قال : كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ، ما لم يأتك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا ، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه ... (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا تَجَسَّسُوا) أى : خذوا ما ظهر من أحوال الناس ولا تبحثوا عن بواطنهم أو أسرارهم. أو عوراتهم ومعايبهم ، فإن من تتبع عورات الناس فضحه الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٩٢ لفضيلة الشيخ محمد على السائس.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٥٧.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٥٦.