وقوله ـ تعالى ـ (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ..) بيان لكمال قدرته ـ سبحانه ـ ، ولنفاذ مشيئته. والملك ـ بضم الميم ـ الاستيلاء على الشيء والتمكن من التصرف فيه.
أى : لله ـ تعالى ـ وحده ملك جميع ما في السموات والأرض ، وليس لأحد معه شيء لا اشتراكا ولا استقلالا ، وهو ـ سبحانه ـ «يخلق ما يشاء» أن يخلقه ، من غير أن يكون لأحد وصاية عليه ، أو اختيار لشيء معين ..
ثم فصل ـ سبحانه ـ بعض مظاهر هذه القدرة التامة ، والإرادة النافذة فقال : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) فهذه الجملة الكريمة بدل مفصل من مجمل ، أو بدل بعض من كل. وأحوال الناس بالنسبة للذرية لا تخلو عن هذه الأقسام الأربعة فهو ـ سبحانه ـ إما أن يهب لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن ، وإما أن يهب لهم ذكورا لا إناث معهم ، وإما أن يهب لبعضهم الإناث والذكور معا وهذا معنى قوله ـ تعالى ـ (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) إذ التزويج معناه الجمع بين البنين والبنات.
وإما أن يجعل بعضهم عقيما ، أى : لا ذرية له ، ذكرا كان أو أنثى. يقال رجل عقيم وامرأة عقيم ، إذا كانا لا ذرية لهما.
وهذه الأحوال الأربعة كلها مشاهدة في حياة الناس ، فمنهم من معه الإناث فقط ، ومنهم من معه الذكور فقط ومنهم من معه الذكور والإناث ومنهم من ليس معه منهما شيء وهذا كله يدل على كمال قدرته ـ سبحانه ـ ، وعلى نفاذ إرادته وحكمته ، إذ أعطى من يشاء إعطاءه بفضله ، ومنع من يشاء منعه لحكمة يعلمها ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه.
فالآية الكريمة مسوقة لبيان أن العطاء والمنع بيد الله ـ تعالى ـ وحده ، وأن أحوال البشر بالنسبة للذرية خاضعة لمشيئته وحده ، وهو ـ سبحانه ـ يقدرها وفق علمه وإرادته وحكمته ؛ ليس لأحد مدخل في اختيار نوع معين من الذرية ، وليس عند أحد القدرة على إنجاب شيء منها ، إذا أراد الله منعه من ذلك.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : «فإن قلت : لم قدم الإناث أولا على الذكور مع تقدمهم عليهن ، ثم رجع فقدمهم؟ ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟
قلت : قدم الإناث لبيان أنه ـ سبحانه ـ يفعل ما يشاء ، لا ما يشاؤه الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم ، والأهم واجب التقديم ...
وأخر ـ سبحانه ـ الذكور ، فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم ، وهم أحقاء بالتقديم