وإن جبينه ليتفصد عرقا.
والمعنى : وما صح وما استقام لبشر أن يكلمه الله ـ تعالى ـ في من حال الأحوال إلا موحيا إليه ، أو مسمعا إياه ما يريد إسماعه له من وراء حجاب أو يرسل إليه ملكا ليبلغه ما يريده ـ سبحانه ـ منه.
وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) تعليل لما قبله ، أى : إنه ـ سبحانه ـ متعال عن صفات النقص ، حكيم في كل أقواله وأفعاله.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ..).
والكاف في قوله «كذلك» بمعنى مثل واسم الإشارة يعود إلى ما أوحاه إلى الرسل السابقين.
والمراد بالروح : القرآن ـ وسماه ـ سبحانه ـ روحا ، لأن الأرواح تحيا به ، كما تحيا الأبدان بالغذاء المادي.
أى : ومثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل ، أوحينا إليك ـ أيها الرسول الكريم ، هذا القرآن ، الذي هو بمنزلة الأرواح للأجساد ، وقد أوحيناه إليك بأمرنا وإرادتنا ومشيئتنا ، وأنت ـ أيها الرسول الكريم ـ ما كنت تعرف أو تدرك حقيقة هذا الكتاب حتى عرفناك إياه ، وما كنت تعرف أو تدرك تفاصيل ، وشرائع وأحكام هذا الذين الذي أوحيناه إليك بعد النبوة.
فالمقصود بهذه الآية الكريمة نفى علم الرسول صلىاللهعليهوسلم بهذا القرآن قبل النبوة ، ونفى أن يكون ـ أيضا ـ عالما بتفاصيل وأحكام هذا الدين لا نفى أصل الإيمان.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ، وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ، وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (٢).
والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) يعود إلى القرآن الكريم ، الذي عبر عنه بالروح.
أى : ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نورا ساطعا ، نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا.
__________________
(١) سورة النساء الآية ١١٣.
(٢) سورة يوسف الآية ٣.