والمراد بالذكر هنا : القرآن الكريم.
والمعنى : أنعرض عنكم ونهملكم فلا نذكركم بالقرآن الكريم ، ولا نرشدكم إلى هداياته. بسبب إسرافكم على أنفسكم ، ومحاربتكم للحق ، وإيثاركم الغي على الرشد؟!! لا لن نفعل ذلك ، بل سننزل هذا القرآن على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ، ومن شاء فليكفر.
قال الشوكانى : قوله : (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر إن على أنها شرطية ، والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقرأ الباقون بفتحها على التعليل ، أى : لأن كنتم قوما منهمكين في الإسراف مصرين عليه. (١).
ثم سلى ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم عن مكرهم فقال : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) و (كَمْ) هنا خبرية لإفادة كثرة الأنبياء والمرسلين وهي مفعول مقدم لأرسلنا. وقوله (مِنْ نَبِيٍ) تمييز لها.
أى : ما أكثر الرسل الذين أرسلناهم في الأمم الأولين لهدايتهم ، فكان موقف أكثر هؤلاء الأمم من رسلهم. يدل على إعراضهم عنهم ، وتكذيبهم لهم ، فاصبر ـ أيها الرسول الكريم ـ على أذى قومك ، كما صبر الذين من قبلك.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى فقال : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أى : أن هؤلاء السابقين لم يأتهم نبي من الأنبياء لهدايتهم ، إلا استهزءوا به ، وسخروا منه ، وأعرضوا عنه.
فماذا كانت نتيجتهم؟ كانت نتيجة استهزائهم برسلهم كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ).
والضمير في قوله (مِنْهُمْ) يعود إلى القوم المسرفين ، المخاطبين بقوله ـ تعالى ـ : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ...) وفي الآية التفات من الخطاب الى الغيبة ، لأنه كان الظاهر أن يقال : فأهلكنا أشد منكم بطشا ـ أيها المشركون ـ.
وقوله : (أَشَدَّ مِنْهُمْ) مفعول به لأهلكنا. وأصله نعت لمحذوف ، أى : فأهلكنا قوما أشد منهم بطشا. والبطش : السطوة والقوة. يقال : فلان بطش بفلان إذا أخذه بقوة وعنف ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ).
والمراد «بمثل الأولين» صفتهم المتمثلة في استئصال شأفتهم ، وقطع دابرهم.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٤ ص ٥٤٧.