والثاني : أنه مأخوذ من المقارنة ، وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير يقال : قرنت كذا بكذا إذا ربطته به ، وجعلته قرينه (١).
وقوله : (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) من جملة ما يقولونه ـ أيضا ـ عند استوائهم على ظهور السفن والإبل.
أى : تقولون إذا استويتم عليه : سبحان الذي سخر لنا هذا المركب الصعب ، وما كنا بقادرين على تذليله لو لا أن الله ـ تعالى ـ وفقنا لذلك ، وإنا إلى ربنا وخالقنا لراجعون يوم القيامة ، لكي يحاسبنا على أعمالنا ، ويجازينا عليها بجزائه العادل.
هذا ، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، جملة من الأحاديث ، منها ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي .. عن عبد الله بن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ). ثم يقول : اللهم إنى أسألك في سفري هذا البر والتقوى. ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر. واطولنا البعيد. اللهم أنت الصاحب في السفر. والخليفة في الأهل. اللهم اصحبنا في سفرنا. وأخلفنا في أهلنا. (٢).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ، ومن رحمته بعباده ، لكي يخلصوا له العبادة والطاعة.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما افتراه المشركون على خالقهم ورازقهم من أكاذيب ورد عليها بما يزهق باطلهم ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٦٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٠٨.