قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه .. وفي هذا دليل على أنها مكية .. (١).
والحق أن ما ذهب إليه الإمام القرطبي من كون سورة الرحمن مكية ، هو ما تطمئن إليه النفس ، لأن السورة من أولها إلى آخرها فيها سمات القرآن المكي ، الذي يغلب عليه الحديث المفصل عن الأدلة على وحدانية الله وقدرته وعظم نعمه على خلقه ، والمقارنة بين حسن عاقبة الأخبار ، وسوء عاقبة الأشرار ...
٣ ـ وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في المصحف الحجازي ، وست وسبعون في المصحف البصري.
٤ ـ وتبدأ السورة الكريمة بالثناء على الله ـ تعالى ـ ، ثم بالثناء على القرآن الكريم ، ثم ببيان جانب من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ، ومن جميل صنعه ، وبديع فعله .. قال ـ تعالى ـ : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ).
٥ ـ وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ ما ساق من ألوان النعم ، أتبع ذلك ببيان أن كل من على ظهر هذه الأرض مصيره إلى الفناء ، وأن الباقي هو وجه الله ـ تعالى ـ وحده ... وببيان أهوال القيامة ، وسوء عاقبة المكذبين وحسن عاقبة المؤمنين ..
قال ـ تعالى ـ : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ).
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. ذَواتا أَفْنانٍ).
٦ ـ ثم وصفت ما أعده الله ـ تعالى ـ للمتقين وصفا يشرح الصدور ، ويقر العيون ، فقد أعد ـ سبحانه ـ لهم بفضله وكرمه الحور العين ، والفرش التي بطائنها من إستبرق.
قال ـ تعالى ـ : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).
وهكذا نرى السورة الكريمة تطوف بنا في آفاق هذا الكون ، فتحكى لنا من بين ما تحكى ـ جانبا من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ونعمه على خلقه ـ وتقول في أعقاب كل نعمة
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٥١.