التركيب العجيب الدقيق لأجسادكم وأعضائكم. ثم في تفاوت عقولكم وأفهامكم واتجاهاتكم.
في كل ذلك وغيره ، عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين.
ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره ، حيث هي مدحوّة كالبساط ... وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها ، والماشين في مناكبها.
وهي مجزأة : فمن سهل وجبل ، وبر وبحر ، وقطع متجاورات : من صلبة ورخوة ، وطيبة وسبخة ، وهي كالطروقة تلقح بألوان النبات ... وتسقى بماء واحد ، ونفضل بعضها على بعض في الأكل ، وكلها موافقة لحوائج ساكنيها.
في كل ذلك آيات (لِلْمُوقِنِينَ) أى : للموحدين الذين سلكوا الطريق السوى .. فازدادوا إيمانا على إيمانهم.
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال ، وفي بواطنها وظواهرها ، من عجائب الفطر. وبدائع الخلق ، ما تتحير فيه الأذهان ، وحسبك بالقلوب ، وما ركز فيها من العقول ، وخصت به من أصناف المعاني ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف ، وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها : من الآيات الدالة على حكمة المدبر .. فتبارك الله أحسن الخالقين (١).
ثم لفتة ثالثة للأنظار إلى الأسباب الظاهرة للرزق ، تراها في قوله ـ تعالى ـ : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ).
أى : أن أرزاقكم مقدرة مكتوبة عنده ـ سبحانه ـ وهي تنزل إليكم من جهة السماء ، عن طريق الأمطار التي تنزل على الأرض الجدباء. فتنبت بإذن الله من كل زوج بهيج.
كما قال ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) (٢).
وقال ـ سبحانه ـ : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٣).
قال القرطبي : قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) الرزق هنا : ما ينزل من السماء من مطر
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٩٩.
(٢) سورة غافر آية ١٣.
(٣) سورة السجدة الآية ٥.