والماء الأجاج : هو الماء الشديد الملوحة والمرارة في وقت واحد.
أى : لو نشاء أن نجعل هذا الماء النازل من المزن لشربكم ، ماء جامعا بين الملوحة والمرارة لفعلنا ، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة بكم ، وفضلا منا عليكم.
وقوله : (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) حض على الشكر لله ـ تعالى ـ أى : فهلا شكرتم الله ـ تعالى ـ على هذه النعم ، وأخلصتم له العبادة والطاعة ووضعتم نعمه في مواضعها.
فالمراد بالشكر هنا : أن يواظب العبد على شكر ربه ، وعلى المداومة على ما يرضيه وعلى استعمال النعم فيما خلقت له.
أما شكر الرب ـ عزوجل ـ لعبده فمعناه : منحه الثواب الجزيل ، على عمله الصالح : ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ).
قال بعض العلماء : واعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ، وإلى المنعم أخرى.
فإن عديت إلى النعمة ، تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر ، كقوله ـ تعالى ـ : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ...).
وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذي هو اللام ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ..) (١).
وقال ـ سبحانه ـ هنا : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) وقال في الآيات السابقة : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً ...) بلام التأكيد ، لأن إنزال الماء من السماء وتحويله من ماء عذب إلى ماء ملح ، مما لا يتوهم أن لأحد قدرة عليه سوى الله ـ تعالى ـ لذا لم يحتج الأمر إلى تأكيد ..
أما جفاف الزرع بعد نضارته ، حتى يعود حطاما ، فمما يحتمل أنه من فعل الزارع ، أو لأى سبب آخر ، كآفة زراعية ، لذا أكد ـ سبحانه ـ أنه هو الفاعل لذلك على الحقيقة ، وأنه ـ تعالى ـ قادر على تحطيمه بعد نموه وريعانه.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الدليل الرابع على قدرته ـ تعالى ـ على البعث والنشور ، فقال ـ تعالى ـ : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ. نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).
وقوله : (تُورُونَ) أى : توقدون ، من أورى النار إذا قدحها وأوقدها. ويقال : ورى الزند يرى وريا ، إذا خرجت ناره ـ وفعله من باب وعى ـ وأوراه غيره إذا استخرج النار منه.
__________________
(١) أضواء البيان ج ٧ ص ٧٩٤ للشيخ محمد الأمين الشنتيطى.