وقوله : (لِلْمُقْوِينَ) مأخوذ من أقوى الرجل إذا دخل في القواء ، وهو الفضاء الخالي من العمران ، والمراد بهم هنا المسافرون ، لأنهم في معظم الأحيان يسلكون في سفرهم الصحارى والفضاء من الأرض.
وخصهم ـ سبحانه ـ بالذكر ، لأنهم أكثر من غيرهم انتفاعا بالنار ، وأحوج من غيرهم إليها.
والمراد بشجرة النار : المرخ والعفار ، وهما شجرتان ، يقدح غصن إحداهما بغصن الأخرى فتتولد النار منهما بقدرة الله ـ تعالى ـ ...
ومن أمثال العرب : لكل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار. أى : وعلا على غيرهما المرخ والعفار لأنهما أكثر الشجر نصيبا في استخراج النار. فهو مثل يضرب في تفضيل الشيء على غيره.
والمعنى : وأخبرونى ـ أيضا ـ عن النار التي تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب الأخضر ، أأنتم خلقتم شجرتها ، واخترعتم أصلها ، أم نحن الخالقون لها وحدنا؟.
لا شك أن الجواب الذي لا جواب غيره ، أننا نحن الذين أنشأنا شجرتها لا أنتم.
ونحن الذين جعلناها تذكرة ، نذكر الناس بها في دار الدنيا إذا أحسوا بشدة حرارتها ، بنار الآخرة التي هي أشد وأبقى ، حتى يقلعوا عن الأقوال والأفعال التي تؤدى بهم إلى نار الآخرة.
ونحن ـ أيضا ـ الذين جعلنا هذه النار (مَتاعاً) أى منفعة (لِلْمُقْوِينَ) أى للمسافرين ، والذين هم في حاجة إليها في شئونهم المختلفة.
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
أى : وما دام الأمر كذلك ، فسبح ـ أيها العاقل ـ باسم ربك العظيم ، بأن تنزهه عن الشريك والولد ، وبأن تخلص له العبادة والطاعة.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد ذكرت أربعة أدلة على إمكانية البعث : الأول عن طريق خلق الإنسان. والثاني عن طريق إنبات النبات ، والثالث عن طريق إنزال الماء من السحاب : والرابع عن طريق إنشاء الشجر الذي تستخرج منه النار.
وإنها لأدلة واضحة على كمال قدرة الله ـ تعالى ـ ووحدانيته لكل عبد منيب.
وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ هذه الأدلة المتنوعة على كمال قدرته وعلى صحة البعث ..