ويبدو لنا أن تفسير النجوم هنا ، بنجوم السماء هو الأرجح ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) كلام معترض بين القسم وجوابه والضمير في «وإنه» يعود إلى القسم المذكور في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أو يعود إلى (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بتأويله بمعنى المذكور ..
قال صاحب الكشاف : (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أى : بمساقطها ، ومغاربها .. واستعظم ذلك بقوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) .. وهو اعتراض في اعتراض ، لأنه اعترض به بين المقسم والمقسم عليه ، وهو قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) واعترض بقوله ـ لو تعلمون ـ بين الموصوف وصفته .. (١).
وجواب «لو» إما محذوف بالكلية لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، إذ المقصود هو نفى علمهم ، أى : أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم عظيم ، ولكنكم لا تعلمون قيمته ومنزلته.
وإما أن يكون جوابها مقدرا ، فيكون المعنى : أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم عظيم لو كان عندكم علم نافع ، لعظمتموه ، ولآمنتم بما أقسمنا عليه ، ولكنكم لم تعظموه ولم تؤمنوا لجهلكم ، ولانطماس بصائركم ..
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) راجع إلى غير مذكور في الكلام إلا أن علم المخاطبين به واستحضارهم له ، نزل منزلة ذكره ..
أى : أقسم بمواقع النجوم ، إن هذا الذي يتلوه عليكم نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم لقرآن كريم. أى : رفيع القدر طاهر الأصل ، كثير المنافع ، ظاهر الفضل ، لأن الناس يجدون فيه كل ما يريدونه من سعادة وخير ..
وليس أمره ـ كما زعمتم ـ من أن الشياطين تنزلت به ، أو أنه من أساطير الأولين ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) وصف آخر للقرآن الكريم ، والمكنون : المستور والمحجوب عن أنظار الناس ، بحيث لا يعلم كنهه إلا الله ـ تعالى ـ ، والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ. أى : أن هذا القرآن الكريم قد جعله الله ـ تعالى ـ في كتاب مصون من غير الملائكة المقربين ، بحيث لا يطلع عليه أحد سواهم ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) : صفة للكتاب الذي هو اللوح المحفوظ. أى : أن هذا القرآن قد اقتضت حكمتنا أن نجعله في كتاب مصون بحيث لا يطلع
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٩.