عليه قبل نزوله. من اللوح المحفوظ ولا يمسه أحد ، إلا الملائكة المطهرون من كل ما يوجب الطهارة.
وعلى هذا التفسير يكون الغرض من الآيات الكريمة ، نفى ما زعمه المشركون من أن القرآن تنزلت به الشياطين ، وإثبات أن هذا القرآن مصون في كتاب مستور عن الأعين ، هو اللوح المحفوظ. وأن الملائكة المطهرين وحدهم هم الذين يطلعون على هذا القرآن من اللوح المحفوظ ، وهم وحدهم الذين ينزلون به على الرسول صلىاللهعليهوسلم.
كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ..) (١).
وكما قال ـ سبحانه ـ : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ...) (٢).
ومنهم من يرى أن قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة أخرى للقرآن الكريم ، فيكون المعنى : إن هذا القرآن الكريم. لا يصح أن يمسه إلا المطهرون من الناس ، عن الحدث الأصغر ، والحدث الأكبر ، فيكون المراد بالطهارة : الطهارة الشرعية ..
وقد رجح العلماء الرأى الأول الذي يرى أصحابه أن قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة للوح المحفوظ المعبر عنه بأنه كتاب مكنون ، وأن المراد بالمطهرين : الملائكة المقربون ..
وقالوا في تأييد ما ذهبوا إليه : إن الآيات مسوقة لتنزيه القرآن عن أن تنزل به الشياطين ، وأنه في مكان مأمون لا يصل إليه إلا الملائكة المقربون.
والآيات ـ أيضا ـ مكية ، والقرآن المكي أكثر اهتمامه كان موجها إلى إبطال شبهات المشركين ، وليس إلى الأحكام الفرعية ، التي تحدث عنها القرآن المدني كثيرا.
كذلك قالوا : إن وصف الكتاب بأنه (مَكْنُونٍ) يدل على شدة الصون والستر عن الأعين ، بحيث لا تناله أيدى البشر ، وهذا لا ينطبق إلا على اللوح المحفوظ ، أما القرآن فيمسه المؤمن وغير المؤمن .. (٣).
قال الإمام القرطبي ما ملخصه قوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) اختلف في معنى
__________________
(١) سورة الشعراء الآيات ١٩٢ ـ ١٩٥.
(٢) سورة الشعراء الآيات ٢١٠ ـ ٢١٢.
(٣) راجع تفسيرنا آيات الأحكام ج ٤ ص ١٠٣.