قالوا : وهذا الفعل (سَبَّحَ) قد يتعدى بنفسه ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وقد يتعدى باللام كما هنا. وهي للتأكيد والتبيين أى : سبح لله لا لغيره.
والمراد بالتسبيح هنا : تنزيه الله ـ تعالى ـ عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.
والمعنى : نزه الله ـ تعالى ـ وعظمه وخضع له ، وانقاد لمشيئته .. جميع ما في السموات والأرض من كائنات ومخلوقات .. لا يعلمها إلا هو ـ سبحانه ـ.
وقد جاء التسبيح تارة بصيغة الفعل الماضي كما في هذه السورة ، وكما في سورتي الحشر والصف ، وتارة بصيغة المضارع ، كما في سورتي الجمعة والتغابن ، وتارة بصيغة الأمر كما في سورة الأعلى ، وتارة بصيغة المصدر كما في سورة الإسراء.
جاء التسبيح بهذه الصيغ المتنوعة ، للإشعار بأن تسبيح هذه المخلوقات لله ـ تعالى ـ شامل لجميع الأوقات والأحوال.
قال ـ تعالى ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١).
وختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، والعزيز : هو الغالب على كل شيء ، إذ العزة معناها : الغلبة على الغير ، ومنه قوله تعالى ـ : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أى : غلبني في الخصام.
وفي أمثال ـ العرب : من عزّ بزّ ، أى : من غلب غيره تفوق عليه.
والحكيم مأخوذ من الحكمة ، وهي وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها.
أى : وهو ـ سبحانه ـ الغالب الذي لا يغلبه شيء ـ الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها السليمة.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أى. له ـ سبحانه ـ وحده دون أن يشاركه مشارك ، ملك السموات والأرض ، إذ هو ـ تعالى ـ المتصرف فيهما ، والخالق لهما ، إن شاء أبقاهما وإن شاء أزالهما.
وملكه ـ سبحانه ـ للسموات والأرض ، ملك حقيقى ، لأنه لا ينازعه فيه منازع ، ولا يشاركه مشارك .. بخلاف ملك غيره لبعض متاع الدنيا ، فإنه ملك زائل مهما طال ، ومفتقر إلى من يحميه ويدافع عنه.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٤٤.