(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١).
ويصح أن يكون (الْباطِنُ) بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأمور يقال : فلان أبطن بهذا الأمر من غيره ، أى : أعلم بهذا الشيء من غيره.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أى : وهو ـ سبحانه ـ عليم بكل ما في هذا الكون ، لا تخفى عليه خافية من شئونه ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٢).
قال ابن كثير : وهذه الآية هي المشار إليها في حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية.
وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا وقال البخاري : قال يحيى : الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما.
وروى الإمام مسلم ـ في صحيحه ـ ، والإمام أحمد ـ في مسنده ـ عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يدعو عند النوم فيقول : «اللهم رب السموات ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، فالق الحب والنوى ، لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر ..» (٣).
ثم ساق ـ سبحانه ـ ألوانا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته وقدرته فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
والأيام : جمع يوم ، واليوم في اللغة مطلق الوقت ، أى : في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ. وقيل : هذه الأيام من أيام الدنيا.
والاستواء في اللغة : يطلق على الاستقرار ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) أى استقرت سفينة نوح ـ عليهالسلام ـ عند ذلك الجبل المسمى بذلك الاسم .. كما يطلق بمعنى القصد ، ومنه قولهم : استوى إلىّ يخاصمني ، أى : قصد لي. كما يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر ، ومنه قول الشاعر : قد استوى بشر على العراق.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٠٤.
(٢) سورة آل عمران الآية ٣.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٢.