منها : أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا ... لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ.
ومنها : أن المقصود المبالغة في الوصف بالسعة للجنة ، وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما (١).
وخص ـ سبحانه ـ العرض بالذكر ، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها ، واتساع طولها ، لأنه إذا كان عرضها كهذا ، فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها ، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض.
قال الإمام ابن كثير : وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل ـ ملك الروم ـ كتب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار» (٢).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) يعود إلى الذي وعد الله ـ تعالى ـ به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة.
أى : ذلك العطاء الجزيل فضل الله ـ تعالى ـ وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو ـ عزوجل ـ.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ بعد أن بين حال الحياة الدنيا. دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح ، الذي يوصلهم الى ما هو أكرم وأبقى ... وهو الجنة.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله ـ تعالى ـ : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ...) (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن كل شيء في هذه الحياة ، خاضع لقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره ، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء ، صابرا عند البلاء ... فقال ـ تعالى ـ :
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٠٤.
(٣) سورة آل عمران الآيات ١٤ ـ ١٧.