وقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمرى ، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
ولهذا قال ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يعنى السلاح كالسيف والحراب.
(وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أى : في معايشهم كالفأس والقدوم .. وغير ذلك (١).
هذا ، ومن المفسرين الذين فصلوا القول في منافع الحديد ، وفي بيان لما ذا خصه الله ـ تعالى ـ بالذكر : الإمام الفخر الرازي فقد قال ـ رحمهالله ـ ما ملخصه : ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة ، جعله الله سهل الوجدان ، كثير الوجود. والذهب لما كانت حاجة الناس إليه قليلة ، جعله الله ـ تعالى ـ عزيز الوجود.
وبهذا تتجلى رحمة الله على عباده ، فإن كل شيء كانت حاجتهم إليه أكثر جعل الحصول عليه أيسر.
فالهواء ـ وهو أعظم ما يحتاج الإنسان إليه ـ جعل الله تعالى ـ الحصول عليه سهلا ميسورا .. فعلمنا من ذلك أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر ، كان وجدانه أسهل.
ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله ـ تعالى ـ أشد من الحاجة إلى كل شيء ، فنرجوه من فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا ، كما قال الشاعر :
سبحان من خص العزيز بعزة |
|
والناس مستغنون عن أجناسه |
وأذل أنفاس الهواء وكل ذي |
|
نفس ، فمحتاج إلى أنفاسه (٢) |
وقوله : ـ سبحانه ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ..) معطوف على محذوف يدل عليه السياق.
والمراد بقوله : (وَلِيَعْلَمَ) أى : وليظهر علمه ـ تعالى ـ للناس ، حتى يشاهدوا آثاره.
أى : وأنزل ـ سبحانه ـ الحديد لكي يستعملوه في الوجوه التي شرعها الله وليظهر ـ سبحانه ـ أثر علمه حتى يشاهد الناس ، من الذي سيتبع الحق منهم ، فينصر دين الله ـ تعالى ـ وينصر رسله ، ويستعمل نعمه فيما خلقت له حالة كونه لا يرى الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣١٥.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٢٩ ص ٢٤٣.