قلت : «معناه التوقع ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله ـ تعالى ـ مجادلتها وشكواها ، وينزل في ذلك ما يفرج كربها» (١).
والسماع في قوله ـ تعالى ـ : (سَمِعَ) بمعنى علم الله ـ تعالى ـ التام بما دار بين تلك المرأة ، وبين الرسول صلىاللهعليهوسلم واستجابته ـ سبحانه ـ لشكواها ، وحكمه في تلك المسألة ، بما يبطل ما كان شائعا بشأنها قبل نزول هذه الآية.
وقوله : (تُجادِلُكَ) من المجادلة ، وهي المفاوضة على سبيل المغالبة والمنازعة ، وأصلها من جدلت الحبل : إذا أحكمت فتله.
وقوله : (تَشْتَكِي) من الشكو ، وأصله فتح الشّكوة ـ وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ـ وإظهار ما فيها ، ثم شاع هذا الاستعمال في إظهار الإنسان لما يؤلمه ويؤذيه ، وطلب إزالته.
والمعنى : قد سمع الله ـ تعالى ـ سماعا تاما ، قول هذه المرأة التي تجادلك ـ أيها الرسول الكريم ـ في شأن ما دار بينها وبين زوجها ، وفيما صدر عنه في حقها من الظهار ، وسمع ـ سبحانه ـ شكواها إليه ، والتماسها منه ـ عزوجل ـ حل قضيتها ، وتفريج كربتها ، وإزالة ما نزل بها من مكروه.
وقال ـ سبحانه ـ (الَّتِي تُجادِلُكَ) بأسلوب الاسم الموصول للإشعار بأنها كانت في نهاية الجدال والشكوى ، وفي أقصى درجات التوكل على ربها ، والأمل في تفريج كربتها ، رحمة بها وبزوجها وبأبنائها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) جملة حالية ، والتحاور : مراجعة الكلام من الجانبين. يقال : حاور فلان فلانا في الكلام إذا راجعه فيما يقوله.
أى : والحال أن الله ـ تعالى ـ يسمع ما يدور بينك ـ أيها الرسول الكريم ـ وبين تلك المرأة ، من مراجعة في الكلام ، ومن أخذ ورد في شأن قضيتها.
والمقصود بذلك ، بيان الاعتناء بشأن هذا التحاور ، والتنويه بأهميته ، وأنه ـ تعالى ـ قد تكرم وتفضل بإيجاد التشريع الحكيم لحل هذه القضية.
وعبر ـ سبحانه ـ بصيغة المضارع ، لزيادة التنويه بشأن ذلك التحاور ، واستحضار صورته في ذهن السامع ، ليزداد عظة واعتبارا.
وجملة : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) تذييل قصد به التعليل لما قبله بطريق التحقيق.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠.