أرسلنا عليهم الريح العقيم. أى : الريح الشديدة التي لا خير فيها من إنشاء مطر ، أو تلقيح شجر ، وهي ريح الهلاك وأصل العقم : اليبس المانع من قبول الأثر.
شبه ـ سبحانه ـ الريح التي أهلكتهم وقطعت دابرهم ، بالمرأة التي انقطع نسلها ، بجامع انعدام الأثر في كل.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذه الريح التي توهموا أنها تحمل لهم الخير ، بينما هي تحمل لهم الهلاك ، وصفها بقوله : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) أى : ما تترك من شيء مرت عليه.
(إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أى : إلا جعلته كالشىء الميت الذي رم وتحول إلى فتات مأخوذ من رم الشيء إذا تفتت وتهشم. ويقال للنبات إذا يبس وتفتت : رميم وهشيم.
كما يقال للعظم إذا تكسر وبلى : رميم. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).
ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى بيان ما حل بقوم صالح ـ عليهالسلام ـ فقال ـ تعالى ـ : (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ).
أى : وتركنا ـ كذلك ـ في قصة صالح ـ عليهالسلام ـ مع قومه آية وعظة ، وقت أن قال لهم ـ على سبيل الإنذار والتحذير من المداومة على الكفر .. تمتعوا بحياتكم التي تعيشونها في هذه الدنيا ، حتى وقت معين في علم الله ـ تعالى ـ تنتهي عنده أعماركم.
وهذا التمتع بالحياة حتى حين ، يحتمل أن المقصود به ، ما أشار إليه ـ سبحانه ـ في سورة هود بقوله : (فَعَقَرُوها) ـ أى الناقة ـ (فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ويحتمل أن يكون المقصود به : ما قدره الله ـ تعالى ـ من عمر منذ أن بلغهم صالح رسالة ربه إلى أن عقروا الناقة ، وحق عليهم العذاب.
قال القرطبي : قوله : (وَفِي ثَمُودَ) أى : وفيهم ـ أيضا ـ عبرة وعظة ، حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا (حَتَّى حِينٍ) أى : إلى وقت الهلاك وهو ثلاثة أيام ، كما في سورة هود .. وقيل : معنى (تَمَتَّعُوا) أى : أسلموا وتمتعوا إلى وقت فراغ آجالكم (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان منهم من كفر وفجور فقال : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أى : فتكبروا واستهانوا بما أمرهم الله ـ تعالى ـ به على لسان نبيهم صالح ـ عليهالسلام ـ.
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي كل عذاب مهلك ، من الصعق بمعنى الإهلاك.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٥١.