أى : لا تحزنوا ـ أيها المؤمنون ـ لمسالك المنافقين معكم ، ولا تخافوا من تناجيهم فيما بينهم ، فإنها نجوى زينها لهم الشيطان ، واعلموا أن كيد الشيطان لن يضركم شيئا من الضرر في حال من الأحوال إلا في حال إرادة الله ـ تعالى ـ ومشيئته.
وما دام الأمر كما بينت لكم ، فاجعلوا توكلكم ـ أيها المؤمنون ـ على الله ـ تعالى ـ وحده ، ولا تبالوا بالمنافقين ، ولا بتناجيهم ، ولا بما يسوله الشيطان لهم من قبائح ، فإن كل شيء بقضاء الله وقدره.
قال الآلوسى ما ملخصه : وحاصل هذا الكلام أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين. إن وقع فهو إرادة الله ـ تعالى ـ ومشيئته ، ولا دخل للمنافقين فيه ، وما دام الأمر كذلك ، فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم ، وليتوكلوا على الله ـ عزوجل ـ ولا يخافوا من تناجيهم.
ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دون الآخر ، حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه».
ومثل التناجي في ذلك ، أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث ، إن كان يحزنه ذلك (١).
وروى الإمام مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه ، فإن ذلك يحزنه» (٢).
والخلاصة أن تعاليم الإسلام ، تنهى عن التناجي في الحالات التي توقع الريبة في القلوب ، وتزعزع الثقة بين الأفراد والجماعات.
وهذا النهى لون من الأدب الحكيم الذي يحفظ للمؤمنين مودتهم ومحبتهم ويبعد عن نفوسهم الشكوك والريب ، ويطرد عن قلوبهم نزغات الشيطان الذي يجرى من ابن آدم مجرى الدم.
ثم لفت ـ سبحانه ـ أنظار المؤمنين إلى أدب رفيع فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما روى عن قتادة أنه قال : نزلت
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٢٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٢٤.