ثم أرشدهم ـ سبحانه ـ إلى نوع آخر من الأدب السامي فقال : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا).
والنشوز الارتفاع عن الأرض. يقال : نشز ينشز وينشز ـ من بابى نصر وضرب ـ إذا ارتفع من مكانه.
أى : وإذا قبل لكم ـ أيها المؤمنون ـ انهضوا من أماكنكم ، للتوسعة على المقبلين عليكم ، فانهضوا ولا تتكاسلوا.
وقوله : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) جواب الأمر في قوله : (فَانْشُزُوا).
وعطف «الذين أوتوا العلم» على «الذين آمنوا» من باب عطف الخاص على العام ، على سبيل التعظيم والتنويه بقدر العلماء.
أى : وإذا قيل لكم ارتفعوا عن مواضعكم في المجالس فارتفعوا ، فإنكم إن تفعلوا ذلك ، يرفع الله ـ تعالى ـ المؤمنين الصادقين منكم درجات عظيمة في الآخرة ، ويرفع العلماء منكم درجات أعظم وأكبر.
ويرى بعضهم أن المراد بالموصولين واحد ، والعطف في الآية لتنزيل التغاير في الصفات ، منزلة التغاير في الذات.
والمعنى : يرفع الله الذين آمنوا العالمين درجات عظيمة لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يدل على شمول علمه فقال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أى : والله ـ تعالى ـ مطلع اطلاعا تاما على نواياكم ، وعلى ظواهركم وبواطنكم ، فاحذروا مخالفة أمره ، واتبعوا ما أرشدكم إليه من أدب وسلوك.
هذا : ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة : أن إفساح المؤمن لأخيه المؤمن في المجلس ، من الآداب الإسلامية التي ينبغي التحلي بها ، لأن هذا الفعل بجانب رفعه للدرجات فإنه سبب للتوادد والتعاطف والتراحم.
قال القرطبي ما ملخصه : والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر ، سواء أكان مجلس حرب ، أم ذكر ، أم مجلس يوم الجمعة ... ولكن بدون أذى ،