والمقصود بالآية الكريمة : تقرير سنة من سننه ـ تعالى ـ التي لا تتخلف ، وأن النصر سيكون حليفا لأوليائه ، في الوقت الذي علمه وأراده.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الآية الجامعة لصفات المؤمنين الصادقين فقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ).
وقوله : (يُوادُّونَ) من الموادة بمعنى حصول المودة والمحبة.
أى : لا تجد ـ أيها الرسول الكريم ـ قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان ، يوالون ويحبون من حارب دين الله ـ تعالى ـ وأعرض عن هدى رسوله.
والمقصود من هذه الآية الكريمة النهى عن موالاة المنافقين وأشباههم ، وإنما جاءت بصيغة الخبر ، لأنه أقوى وآكد في التنفير عن موالاة أعداء الله ، إذ الإتيان بصيغة الخبر تشعر بأن القوم قد امتثلوا لهذا النهى ، وأن الله ـ سبحانه ـ قد أخبر عنهم بذلك.
وافتتحت الآية بقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً) لأن هذا الافتتاح يثير شوق السامع لمعرفة هؤلاء القوم.
وقوله : (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ) تصريح بوجوب ترك هذه الموادة لمن حارب الله ورسوله ، مهما كانت درجة قرابة هذا المحارب.
أى : من شأن المؤمنين الصادقين أن يبتعدوا عن موالاة أعداء الله ورسوله ، ولو كان هؤلاء الأعداء. (آباءَهُمْ) الذين أتوا إلى الحياة عن طريقهم (أَوْ أَبْناءَهُمْ) الذين هم قطعة منهم. (أَوْ إِخْوانَهُمْ) الذين تربطهم بهم رابطة الدم (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) التي ينتسبون إليها ، وذلك لأن قضية الإيمان يجب أن تقدم على كل شيء.
وقدم الآباء لأنهم أول من تجب طاعتهم ، وثنى بالأبناء لأنهم ألصق الناس بهم ، وثلث بالإخوان لأنهم الناصرون لهم ، وختم بالعشيرة لأن التناصر بها يأتى في نهاية المطاف.
__________________
(١) سورة غافر الآية ٥١.
(٢) سورة الصافات الآيات ١٧١ ـ ١٧٣.