فتعهد واحد منهم بذلك ، وقبل أن يتم فعله ، نزل جبريل ـ عليهالسلام ـ على النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره بما أضمره اليهود من غدر وخيانة فرجع صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ـ وأخبر أصحابه بما أضمره له يهود بنى النضير ، ونزل قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ ، وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١).
ثم أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه أن يستعدوا لحصار بنى النضير ، وتأديبهم على غدرهم .. فحاصرهم المؤمنون بضعا وعشرين ليلة ، وانتهى الأمر بإجلائهم ، عن المدينة ، فمنهم من ذهب إلى خبير ، ومنهم من ذهب إلى غيرها.
واللام في قوله ـ تعالى ـ : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) متعلقة بأخرج ، والحشر : الجمع ، يقال : حشر القائد جنده إذا جمعهم ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ).
أى : هو ـ سبحانه ـ الذي أخرج ـ بقدرته ـ الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ، وهم يهود بنى النضير عند مبدأ الحشر المقدر لهم في علمه ، بأن مكنكم ـ أيها المؤمنون ـ من محاصرتهم وجمعهم في مكان واحد ، ثم طردهم من المدينة المنورة إلى أماكن أخرى ، بسبب غدرهم وسوء صنيعهم.
قال صاحب الكشاف : اللام في قوله : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) تتعلق بأخرج ، وهي مثل اللام في قوله : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) وفي قولك : جئته لوقت كذا ..
والمعنى : أخرج الذين كفروا عند أول الحشر. ومعنى أول الحشر : أن هذا أول حشرهم إلى الشام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط .. أو المعنى : هذا أول حشرهم ، وآخر حشرهم : إجلاء عمر ـ رضى الله عنه ـ لهم من خيبر إلى الشام.
وقيل معناه : أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم ، لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم .. (٢).
وقصر ـ سبحانه ـ إخراجهم عليه فقال : هو الذي أخرج الذين كفروا ، مع أن المسلمين قد اشتركوا في إخراجهم عن طريق محاصرتهم ؛ للإشعار بأن السبب الحقيقي في إخراجهم من ديارهم ، هو ما قذفه الله ـ تعالى ـ في قلوبهم من الرعب .. أما محاصرة المؤمنين لهم فهي
__________________
(١) سورة المائدة الآية ١١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٩.