أسباب فرعية ، قد تؤدى إلى إخراجهم ، وقد لا تؤدى ، وللإشعار ـ أيضا ـ بأن كل شيء إنما هو بقضاء الله وقدره ..
ووصفهم ـ سبحانه ـ بالكفر وبأنهم من أهل الكتاب ، للتشنيع عليهم وزيادة مذمتهم ، حيث إنهم جمعوا بين رذيلتين : رذيلة الكفر بالحق ، ورذيلة عدم العمل بكتابهم الذي أمر باتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، والذي يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر.
و «من» في قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) للبيان ، حتى لا يظن بأن المراد بالذين كفروا هنا ، مشركو قريش ، وإن كان الجميع يشتركون في الكفر والفسوق والعصيان.
وقوله ـ تعالى ـ : (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ...) تذكير للمؤمنين بنعم الله ـ تعالى ـ عليهم.
أى : ما ظننتم ـ أيها المؤمنون ـ أن يهود بنى النضير سيخرجون من ديارهم بتلك السهولة ، وذلك لتملكهم لألوان من القوة ، كقوة السلاح ، وكثرة العدد ، ووجود من يحميهم ممن يسكنون معكم في المدينة ، وهم حلفاؤهم من بنى قومهم ، كبني قريظة وغيرهم ، ومن غير بنى قومهم كالمنافقين الذين وعدوهم ومنوهم.
وقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) معطوف على ما قبله.
أى : أنتم ـ أيها المؤمنون ـ ظننتم أن اليهود لن يخرجوا من ديارهم لما معهم من قوة ، وهم ـ أيضا ـ ظنوا أن حصونهم ستمنع بأس الله عنهم ، وأنها ستحول بينهم وبين خروجهم منها ، ونصركم عليهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ...) متفرع عن الظن السابق ، الذي ظنه المؤمنون ، والذي ظنه أعداؤهم وهم بنو النضير.
أى : أنتم ظننتم أنهم لن يخرجوا من ديارهم ، وهم ظنوا ـ أيضا ـ أن حصونهم ستمنعهم من نصركم عليهم ، فكانت النتيجة أن أتاهم بأس الله وعقابه من حيث لم يحتسبوا ومن حيث لم يخطر ببال ، بأن قذف في قلوبهم الرعب والفزع فخرجوا من حصونهم التي تمنعوا بها ، ومن ديارهم التي سكنوها زمنا طويلا صاغرين أذلاء.
والتعبير بقوله : (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) إشارة إلى أن ما نزل بهم من هزيمة ، لم يكونوا يتوقعونها أصلا ، إذ الاحتساب مبالغة في الحسبان ، أى : أتاهم عقاب الله ـ تعالى ـ من المكان الذي كانوا يعتقدون أمانهم فيه ، وفي زمان لم يكونوا أصلا يتوقعون حلول هزيمتهم عنده.