والإهلاك في الدنيا ، فلن ينجوا في الآخرة من العذاب الذي يذلهم ويهينهم ، بل سيحل بهم عذاب مقيم ، لا فكاك لهم منه.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) يعود إلى ما نزل وسينزل بهم من عذاب.
وقوله ـ تعالى ـ : (شَاقُّوا) من المشاقة بمعنى المعاداة والمخاصمة ، حتى لكأن كل واحد من المتخاصمين في شق ومكان يخالف شق صاحبه ومكانه.
أى : ذلك الذي حل بهم في الدنيا من عقاب ، والذي سيحل بهم في الآخرة من عذاب ، سببه أن هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب ، عادوا الله ـ تعالى ـ وخالفوا دعوة رسولهصلىاللهعليهوسلم.
(وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) بأن يخالف ما أمر به ، أو نهى عنه. يعذبه الله ـ تعالى ـ ويخذله ، فإنه ـ سبحانه ـ شديد العقاب.
وجملة (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) قائمة مقام جواب الشرط ، أى : ومن يخالف أمر الله ـ تعالى ـ عذبه ، فإنه ـ سبحانه ـ شديد العقاب ، لمن أعرض عن طاعته وذكره.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين ، الذين اشتركوا في تخريب ديار بنى النضير ، وفي قطع نخيلهم ، فقال ـ تعالى ـ : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ).
و «ما» شرطية في موضع نصب ، بقوله : (قَطَعْتُمْ) وقوله : (مِنْ لِينَةٍ) بيان لها ..
وقوله : (فَبِإِذْنِ اللهِ) جزاء الشرط. واللام في قوله ـ تعالى ـ : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) متعلقة بمحذوف.
واللينة : واحدة اللين ، وهو النخل كله ، أو كرام النخل فقط.
قال الآلوسى ما ملخصه : اللينة هي النخلة مطلقا .. وهي فعلة من اللّون ، وياؤها مقلوبة عن واو لكسر ما قبلها ـ فأصل لينة : لونة ...
وقيل : اللينة : النخلة مطلقا .. وقيل : هي النخلة القصيرة ، وقيل : الكريمة من النخل .. ويمكن أن يقال : أراد باللينة النخلة الكريمة ... (١).
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن المسلمين عند ما أخذوا في تقطيع نخيل
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٤٣.