وقال الإمام ابن كثير : وقوله ـ تعالى ـ : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
أى : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير ، وينهى عن شر.
أخرج الشيخان عن ابن مسعود أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، والمغيرات لخلق الله ـ عزوجل ـ فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن ، فأتته فقالت : بلغني انك قلت كذا وكذا ، فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في كتاب الله.
فقالت : لقد قرأت ما بين لوحى المصحف فما وجدته. فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه ، أما قرأت : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)؟ قالت : بلى.
قال : فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عنه. قالت : إنى لأظن أهلك يفعلونه!! ..
قال : اذهبي فانظرى ، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا. فجاءت فقالت : ما رأيت شيئا. قال : لو كان كذا لم تجامعنا .. (١).
وقال بعض العلماء وفي الآية دليل على وجوب الأخذ بالسنن الصحيحة في كل الأمور.
وعن أبى رافع أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى!! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ...» وهذا الحديث من أعلام النبوة ، فقد وقع ذلك بعد من الجاهلين بكتاب الله ، وبمنصب الرسالة ، ومن الزنادقة الصادين عن سبيل الله .. (٢).
ثم أثنى ـ سبحانه ـ على المهاجرين الذين فارقوا أموالهم وعشيرتهم ، من أجل إعلاء كلمته ـ تعالى ـ فقال : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
قال الإمام الرازي : اعلم أن هذا بدل من قوله ـ تعالى ـ : (وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) كأنه قيل : أعنى بأولئك الأربعة ، هؤلاء الفقراء المهاجرين الذين من صفتهم كذا وكذا.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٣٦.
(٢) «تفسير صفوت البيان» ج ٢ ص ٤١٦ لفضيلة للشيخ حسنين مخلوف.