فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧)
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا ...) حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين على اختلف طبقاتهم ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب.
والآية ـ كما روى عن ابن عباس ـ نزلت في رهط من بنى عوف منهم عبد الله بن أبى بن سلول ... بعثوا إلى بنى النضير بما تضمنته الجمل المحكية ، بقوله ـ تعالى ـ : (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) (١).
والمراد بالأخوة في قوله ـ سبحانه ـ : (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) : أخوة في الكفر والفسوق والعصيان ...
والمعنى : ألم يصل إلى علمك ـ أيها الرسول الكريم ـ حال أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وهم يقولون لإخوانهم في الكفر من أهل الكتاب ، وهم : يهود بنى النضير ، أثناء محاصرتكم ـ أيها المؤمنون ـ لهم.
يقولون لهم : «والله لئن أخرجتم» من دياركم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) أى : لنخرجن من ديارنا معكم ، لنكون مصاحبين لكم حيثما سرتم.
ويقولون لهم : ـ أيضا ـ (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ...) أى : ولا نطيع في شأنكم أحدا أبدا ، يريد العدوان عليكم ، أو يريد منعنا من الخروج معكم ومؤازرتكم ..
ويقولون لهم ـ كذلك ـ : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) أى : وإن قاتلكم المسلمون ، لنقفن إلى جواركم ، ولنقدمن العون الذي يؤدى إلى نصركم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) رد عليهم ، وإبطال لمزاعمهم.
أى : والله ـ تعالى ـ يشهد بأن هؤلاء المنافقين لكاذبون في أقوالهم ، وفي عهودهم ..
ثم أبطل ـ سبحانه ـ أقوالهم بصورة أكثر تفصيلا فقال : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٥٦.