ثم ساق ـ سبحانه ـ مثلين زيادة في تثبيت المؤمنين ، وفي التهوين من شأن أعدائهم فقال ـ تعالى ـ : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وقوله : (كَمَثَلِ ...) خبر لمبتدأ محذوف. والمراد بالذين من قبلهم : يهود بنى قينقاع ، وكفار قريش الذين حل بهم ما حل من هزائم في غزوة بدر.
والوبال : المرعى الضار الذي ترعاه الماشية ، دون أن تدرك سوء عاقبته.
أى : مثل هؤلاء اليهود والمنافقين ، وحالهم العجيبة .. كمثل الذين من قبلهم ، وهم يهود بنى قينقاع ، الذين أخرجوا من المدينة بسبب غدرهم ، وكان خروجهم قبل خروج بنى النضير بزمن ليس بالطويل ، وكمثل مشركي قريش الذين حلت بهم الهزيمة في غزوة بدر ، فإن هؤلاء وهؤلاء قد ذاقوا في الدنيا سوء عاقبة كفرهم بدون إمهال ..
أما في الآخرة فلهم عذاب شديد الألم والإهانة.
ووجه الشبه بين السابقين واللاحقين ، أن الجميع قد اغتروا بمالهم وقوتهم ، فتطاولوا على المؤمنين ، ونقضوا عهودهم معهم .. فكانت عاقبتهم جميعا أن أذلهم الله ـ تعالى ـ في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ..
وأما المثل الثاني فيتجلى في قوله ـ تعالى ـ : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ..).
أى : مثل المنافقين في تزيينهم الشر والفساد ليهود بنى النضير .. كمثل الشيطان إذ قال للإنسان في الدنيا اكفر بالله ـ تعالى ـ فلما كفر ذلك الإنسان ومات على الكفر ، وبعث يوم القيامة ، ووجد مصيره السيئ .. ندم وألقى التبعة على الشيطان الذي قال له : إنى برىء منك ومن كفرك ، إنى أخاف الله رب العالمين ، ووجه الشبه : أن المنافقين تبرأوا من معاونتهم ومن مناصرتهم .. عند ما حانت ساعة الجد ... كما يتبرأ الشيطان من كفر الكافر يوم القيامة.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ..) من تمام المثل الذي ضربه الله ـ تعالى ـ للمنافقين واليهود ...
__________________
(١) سورة إبراهيم الآية ٢٢.