ويقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
ويقول ـ سبحانه ـ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
ويقول ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
وبعد هذا الأمر المؤكد بالتقوى ، جاء النهى عن التشبه بمن خلت قلوبهم من التقوى ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ...).
أى : تمسكوا ـ أيها المؤمنون ـ بتقوى الله ـ تعالى ـ ومراقبته والبعد عن كل مالا يرضيه. واحذروا أن تكونوا كأولئك الذين تركوا التكاليف التي كلفهم الله ـ تعالى ـ بها ، فتركهم ـ سبحانه ـ إلى أنفسهم ، بأن جعلهم ناسين لها ، فلم يسعوا إلى ما ينفعها ، بل سعوا فيما يضرها ويرديها.
فالمراد بالنسيان هنا : الترك والإهمال ، والكلام على حذف مضاف. أى : نسوا حقوق الله ـ تعالى ـ وما أوجب عليهم من تكاليف.
والفاء في قوله : (فَأَنْساهُمْ) للسببية ، أى : أن نسيانهم لما يجب عليهم نحو أنفسهم من تهذيب وتأديب .. كان سببه نسيانهم لما يجب عليهم نحو خالقهم من طاعته وخشيته.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيرهم فقال : (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أى : أولئك الذين تركوا ما يجب عليهم نحو خالقهم ونحو أنفسهم ، هم الفاسقون عن أمره ، الخارجون على شريعته ودينه ، الخالدون يوم القيامة في العذاب المهين.
ثم حذر ـ سبحانه ـ المؤمنين من نسيان طاعته ، وخشيته بأسلوب آخر فقال : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ ...).
أى : لا يستوي في حكم الله ـ تعالى ـ وفي جزائه (أَصْحابُ النَّارِ) الذين استحقوا الخلود فيها (وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) الذين ظفروا برضوانه ـ تعالى ـ بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ..
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) بالسعادة التي ليس بعدها سعادة ، وبالنعيم الذي لا يقاربه نعيم.
وقال ـ سبحانه ـ : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ...) بدون بيان مالا يستويان فيه ، للإشعار بالبون الشاسع بين الفريقين ، في سلوكهم وفي أعمالهم ، وفي تفكيرهم ، وفي نظرتهم إلى الحياة ، وفي العاقبة التي ينتهى إليها كل فريق ...
قال صاحب الكشاف : هذا تنبيه للناس ، وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم ، وقلة فكرهم في العاقبة ، وتهالكهم على إيثار العاجلة ، واتباع الشهوات : كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة