الرسول الكريم أرسلناه إليهم ، ليقرأ عليهم آيات الله ـ تعالى ـ التي أنزلها عليه لهدايتهم وسعادتهم ، متى آمنوا بها ، وعملوا بما اشتملت عليه من توجيهات سامية ..
وأرسلناه إليهم ـ أيضا ـ ليزكيهم ، أى : وليطهرهم من الكفر والقبائح والمنكرات وليعلمهم الكتاب ، بأن يحفظهم إياه ، ويشرح لهم أحكامه ، ويفسر لهم ما خفى عليهم من ألفاظه ومعانيه.
وليعلمهم ـ أيضا ـ الحكمة. أى : العلم النافع المصحوب بالعمل الطيب وصدر ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بضمير اسم الجلالة ، لتربية المهابة في النفوس ، ولتقوية ما اشتملت عليه من نعم وأحكام ، إذ هو ـ سبحانه ـ وحده الذي فعل ذلك لا غيره.
وعبر ـ سبحانه ـ بفي المفيدة للظرفية في قوله ـ تعالى ـ : (فِي الْأُمِّيِّينَ). للإشعار بأن هذا الرسول الكريم الذي أرسله إليهم ، كان مقيما فيهم ، وملازما لهم ، وحريصا على أن يبلغهم رسالة الله ـ تعالى ـ في كل الأوقات والأزمان.
والتعبير بقوله : (مِنْهُمْ) فيه ما فيه من دعوتهم إلى الإيمان به ، لأن هذا الرسول الكريم ، ليس غريبا عنهم ، بل هو واحد منهم شرفهم من شرفه ، وفضلهم من فضله ..
وهذه الآية الكريمة صريحة في أن الله ـ تعالى ـ قد استجاب دعوة نبيه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ عند ما دعاه بقوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ..) (١).
وقد جاء ترتيب هذه الآية الكريمة وأمثالها في أسمى درجات البلاغة والحكمة ، لأن أول مراحل تبليغ الرسالة ، يكون بتلاوة القرآن ، ثم ثنى ـ سبحانه ـ بتزكيه النفوس من الأرجاس ، ثم ثلث بتعليم الكتاب والحكمة لأنهما يكونان بعد التبليغ والتزكية للنفوس.
ولذا قالوا : إن تعليم الكتاب غير تلاوته ، لأن تلاوته معناها ، قراءته قراءة مرتلة ، أما تعليمه فمعناه : بيان أحكامه ، وشرح ما خفى من ألفاظه وأحكامه ..
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، قد اشتملت على جملة من الصفات الجليلة التي منحها ـ سبحانه ـ لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك حال الناس قبل بعثته صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٢٩.