والأسفار : جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير المشتمل على ألوان من العلم النافع ، وسمى بذلك لأنه يسفر ويكشف عما فيه من المعاني المفيدة للمطلع عليها.
والمعنى : حال هؤلاء اليهود الذين أنزل الله ـ تعالى ـ عليهم التوراة لهدايتهم .. ولكنهم لم ينتفعوا بها .. كحال الحمار الذي يحمل كتب العلم النافع ، ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا ، لأنه لا يفقه شيئا مما يحمله ..
ففي هذا المثل شبه الله ـ تعالى ـ اليهود الذين لم ينتفعوا بالتوراة التي فيها الهداية والنور ، بحال الحمار الذين يحمل كتب العلوم النافعة دون أن يستفيد بها.
ووجه الشبه بين الاثنين : هو عدم الانتفاع بما من شأنه أن ينتفع به انتفاعا عظيما ، لسمو قيمته ، وجلال منزلته.
قال صاحب الكشاف : شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ، ثم إنهم غير عاملين بها ، ولا بمنتفعين بآياتها ... بالحمار ، حمل أسفارا ، أى : كتبا كبارا من كتب العلم ، فهو يمشى بها ، ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ، وبئس المثل .. (١).
وقال الإمام ابن كثير : يقول ـ تعالى ـ ذامّا لليهود الذين أعطوا التوراة فلم يعملوا بها ، إن مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا .. فهو يحملها حملا حسيا ولا يدرى ما عليه ، وكذلك هؤلاء. لم يعملوا بمقتضى ما في التوراة بل أولوه وحرفوه ، فهم أسوأ من الحمار ، لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ، ولهذا قال ـ تعالى ـ : في آية أخرى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ..) (٢).
وقال القرطبي : وفي هذا المثل تنبيه من الله ـ تعالى ـ لمن حمل الكتاب ، أن يتعلم معانيه ، ويعمل بما فيه ، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء اليهود ، قال الشاعر :
زوامل للأسفار لا علم عندهم |
|
بجيّدها ، إلا كعلم الأباعر |
لعمرك ما يدرى البعير إذا غدا |
|
بأوساقه ، أو راح ما في الغرائر (٣) |
وعبر ـ سبحانه ـ عن تكليفهم العمل بالتوراة وعن تركهم لذلك بقوله : (حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) للإشعار بأن هذا التكليف منه ـ تعالى ـ لهم ، كان عهدا مؤكدا عليهم ، حتى لكأنهم تحملوه كما يتحمل الإنسان شيئا قد وضع فوق ظهره أو كتفيه. ولكنهم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٤٣.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٩٤.