نبذوا هذا العهد ، وألقوا بما فوق أكتافهم من أحمال ، وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم انقياد الأعمى لقائده ..
ولفظ «ثم» في قوله (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) للتراخي النسبي ، لأن عدم وفائهم بما عهد إليهم ، أشد عجبا من تحملهم لهذه العهود.
وشبههم ، بالحمار الذي هو مثل في البلادة والغباء ، لزيادة التشنيع عليهم ، والتقبيح لحالهم ، حيث زهدوا وأعرضوا عن الانتفاع بأثمن شيء نافع ، ـ وهو كتاب الله ـ كما هو شأن الحمار الذي لا يفرق فيما يحمله على ظهره بين الشيء النافع والشيء الضار.
وجملة «يحمل أسفارا» في موضع الحال من الحمار ، أو في موضع جر على أنها صفة للحمار ، باعتبار أن المقصود به الجنس ، فهو معرفة لفظا ، نكرة معنى.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : «يحمل» ما محله؟ قلت : محله النصب على الحال ، أو الجر على الوصف ، لأن لفظ الحمار هنا ، كلفظ اللئيم في قول الشاعر : ولقد أمر على اللئيم يسبني .. (١).
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى ذم هؤلاء اليهود ذما آخر فقال : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ...).
و (بِئْسَ) فعل ذم ، وفاعله ما بعده وهو قوله : (مَثَلُ الْقَوْمِ) وقد أغنى هذا الفاعل عن ذكر المخصوص بالذم ، لحصول العلم بأن المذموم هو حال هؤلاء القوم الذين وصفهم ـ سبحانه ـ بأنهم قد كذبوا بآياته.
أى : بئس المثل مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله ـ تعالى ـ الدالة على وحدانيته وقدرته ، وعلى صدق أنبيائه فيما يبلغونه عنه ـ تعالى ـ.
وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تذييل قصد به بيان الأسباب التي أدت إلى عدم توفيق الله ـ تعالى ـ لهم إلى الهداية.
أى : والله ـ تعالى ـ قد اقتضت حكمته ، أن لا يهدى إلى طريق الخير ، من ظلم نفسه ، بأن آثر الغي على الرشد ، والعمى على الهدى ، والشقاوة على السعادة ، لسوء استعداده ، وانطماس بصيرته.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يتحدى اليهود ، وأن يرد على مزاعمهم ردا يخرس
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣٠.