ألسنتهم ، ويكشف عن أكاذيبهم .. فقال ـ سبحانه ـ : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
قال الآلوسى : وأمر صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم ذلك ، إظهارا لكذبهم ، فإنهم كانوا يقولون : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ويدعون أن الآخرة خالصة لهم عند الله.
وروى أنه لما ظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب يهود المدينة إلى يهود خيبر : إن اتبعتم محمدا أطعناه ، وإن خالفتموه خالفناه. فقالوا ـ أى : يهود خيبر ـ : «نحن أبناء خليل الرحمن ، ومنا عزير ابن الله ، ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب؟ نحن أحق بها من محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا سبيل إلى اتباعه ، فنزلت هذه الآيات .. (١).
والمقصود بالذين هادوا ، أى : الذين ادعو أنهم على الديانة اليهودية ، يقال : هاد فلان وتهوّد. إذا دخل في اليهودية ، نسبة إلى يهوذا أحد أبناء يعقوب ـ عليهالسلام ـ ، أو سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل ، من هاد يهود هودا بمعنى تاب ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ...) أى : تبنا إليك.
ومعنى ، أولياء الله ... مقربين منه ، كرماء عليه ، لهم منزلة خاصة عنده ـ تعالى ـ وقوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ...) جواب الشرط ، والتمني معناه : ارتياح النفس ، ورغبتها القوية في الحصول على الشيء.
ويستعمل التمني في المعنى القائم بالقلب ، بأن تتطلع نفس الشخص إلى الحصول على الشيء. كما يستعمل عن طريق النطق باللسان ، بأن يقول الإنسان بلسانه ، ليتني أحصل على كذا.
وهذا المعنى الثاني هو المراد هنا ، لأن المعنى الكائن في القلب لا يعلمه أحد سوى الله ـ تعالى ـ.
ومعنى الآية الكريمة : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الزاعمين. أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم أولياء الله ـ تعالى ـ المقربون إليه من دون سائر خلقه ... قل لهم على سبيل التحدي والتعجيز والتبكيت ـ إن كان الأمر كما زعمتم ، فاذكروا أمام الناس بألسنتكم لفظا ، يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه ، لكي تظفروا بعد الموت بالمحبة الكاملة من الله ، ولكي تنتقلوا من شقاء الدنيا ومتاعبها إلى النعيم الخالص بعد موتكم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٩٦.