ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يخبرهم بأنهم لا مفر لهم من الموت ، مهما حرصوا على الهروب منه. فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ...).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء اليهود الذين يكرهون الموت ، ويزعمون أنهم أحباب الله؟ ..
قل لهم على سبيل التوبيخ والتبكيت : إن الموت الذي تكرهونه ، وتحرصون على الفرار منه ، لا مهرب لكم منه ، ولا محيص لكم عنه ، فهو نازل بكم إن عاجلا أو آجلا كما قال ـ سبحانه ـ (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ...).
فالمقصود بهذه الآية الكريمة إخبارهم بأن هلعهم من الموت مهما اشتد لن يفيدهم شيئا ، لأن الموت نازل بهم لا محالة ...
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم بعد الموت ، سيجدون الجزاء العادل فقال : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ : إن الموت نازل بكم لا محالة. ثم بعد هلاككم سترجعون إلى الله ـ تعالى ـ الذي يعلم السر والعلانية ، والجهر والخفاء ، فيجازيكم على أعمالكم السيئة ، بما تستحقونه من عقاب.
فالمراد بالإنباء عما كانوا يعملونه ، الحساب على ذلك ، والمجازاة عليه.
وشبيه بهذه الآيات قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة :
(قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١).
وبعد هذا التوبيخ والتحدي لليهود الذين زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس .. وجه ـ سبحانه ـ للمؤمنين نداء أمرهم فيه بالمسارعة إلى أداء فرائضه ونهاهم عن أن تشغلهم دنياهم عن ذكره وطاعته ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) راجع تفسيرنا لسورة البقرة الآية ٩٦ ص ٢١٤.