والمراد بذكر الله : الخطبة والصلاة جميعا ، لاشتمالهما عليه ، واستظهر بعضهم أن المراد به الصلاة ، وقصره بعضهم على الخطبة .. (١).
وإنما عبر ـ سبحانه ـ بالسعي لتضمنه معنى زائدا على المشي ، وهو الجد والحرص على التبكير ، وعلى توقى التأخير.
والمعنى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، إذا نادى المنادى لأجل الصلاة في يوم الجمعة ، فامضوا إليها بجد ، وإخلاص نية ، وحرص على الانتفاع بما تسمعونه من خطبة الجمعة ، التي هي لون من ألوان ذكر الله ـ تعالى ـ وطاعته.
والأمر في قوله ـ سبحانه ـ : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ، وَذَرُوا الْبَيْعَ ..) الظاهر أنه للوجوب ، لأن الأمر يقتضى الوجوب ، ما لم يوجد له صارف عن ذلك ، ولا صارف له هنا.
والمراد من البيع هنا : المعاملة بجميع أنواعها ، فهو يعم البيع والشراء وسائر أنواع المعاملات.
أى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، فاخرجوا إليها بحرص وسكينة ووقار. واتركوا المعاملات الدنيوية من بيع ، وشراء ، وإجارة ، وغيرها.
وإنما قال ـ سبحانه ـ : (وَذَرُوا الْبَيْعَ ...) لأنه أهم أنواع المعاملات ، فهو من باب التعبير عن الشيء بأهم أجزائه.
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعود إلى ما سبق ذكره من الأمر بالسعي إلى ذكر الله ، متى نودي للصلاة ، وترك الاشتغال بالبيع وما يشبهه.
أى : ذلكم الذي أمرتكم به من السعى إلى ذكر الله عند النداء للصلاة من يوم الجمعة ، ومن ترك أعمالكم الدنيوية .. خير لكم مما يحصل لكم من رزق في هذه الأوقات ، عن طريق البيع أو الشراء أو غيرهما.
فالمفضل عليه محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، والمفضل هو السعى إلى ذكر الله ـ تعالى ـ.
وهذا التفضيل باعتبار أن منافع السعى إلى ذكر الله ـ تعالى ـ باقية دائمة ، أما المنافع الدنيوية فهي زائلة فانية ...
وجواب الشرط في قوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) محذوف. أى : إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم ، فاسعوا إلى ذكر الله عند النداء للصلاة ، واتركوا البيع والشراء.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٠٢.