وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) تذييل قصد به بيان قبح أحوالهم ، وسوء عاقبتهم.
و «ساء» : فعل ماض بمعنى بئس في إفادة الذم ، و «ما» موصولة والعائد محذوف.
أى : إن هؤلاء المنافقين بئس ما كانوا يقولونه من أقوال كاذبة ، وساء ما كانوا يفعلونه من أفعال قبيحة ، سيكونون بسببها يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) يعود إلى ما تقدم ذكره من الكذب ، ومن الصد عن سبيل الله ، ومن قبح الأقوال والأفعال.
أى : ذلك الذي ذكر من حالهم الذي دأبوا عليه من الكذب والخداع والصد عن سبيل الله ... سببه أنهم (آمَنُوا) أى : نطقوا بكلمة الإسلام بألسنتهم دون أن يستقر الإيمان في قلوبهم ، ثم كفروا ، أى : ثم ارتكسوا في الكفر واستمروا عليه ، وظهر منهم ما يدل على رسوخهم فيه ظهورا جليا ، كقولهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ ...) وكقولهم للمجاهدين : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ...).
(فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أى : فختم الله ـ تعالى ـ عليها بالكفر نتيجة إصرارهم عليه ، فصاروا ، بحيث لا يصل إليها الإيمان.
(فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أى : فهم لا يدركون حقيقة الإيمان أصلا ، ولا يشعرون به ، ولا يفهمون حقائقه لانطماس بصائرهم.
وقوله : (ذلِكَ) مبتدأ ، وقوله (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ...) خبر : والباء للسببية.
و (ثُمَ) للتراخي النسبي ، لأن إبطان الكفر مع إظهار الإيمان أعظم من الكفر الصريح ، وأشد ضررا وقبحا.
قال صاحب الكشاف : فان قلت : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم ، فما معنى قوله : (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا)؟.
قلت : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : آمنوا : أى نطقوا بكلمة الشهادة ، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ، ثم كفروا. أى : ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع الله عليه المؤمنين من قولهم : إن كان ما يقوله محمد صلىاللهعليهوسلم حقا فنحن حمير ..
والثاني : آمنوا ، أى : نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ).