الثالث : أن يراد أهل الردة منهم .. (١).
ثم رسم ـ سبحانه ـ لهم بعد ذلك صورة تجعل كل عاقل يستهزئ بهم ، ويحتقرهم ، ويسمو بنفسه عن الاقتراب منهم. فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ. وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
قال القرطبي : قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبى ، وسيما جسيما صحيحا صبيحا ، ذلق اللسان ، فإذا قال : سمع النبي صلىاللهعليهوسلم مقالته. (٢) وقال الكلبي : المراد ابن أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر ، وفصاحة ...
و (خُشُبٌ) ـ بضم الخاء والشين ـ جمع خشبة ـ بفتحهما ـ كثمرة وثمر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : كأنهم خشب ـ بضم الخاء وسكون الشين ـ كبدنة وبدن.
أى : وإذا رأيت ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المنافقين ، أعجبتك أجسامهم ، لكمالها وحسن تناسقها ، وإن يقولوا قولا حسبت أنه صدق ، لفصاحته ، وأحببت الاستماع إليه لحلاوته.
وعدى الفعل «تسمع» باللام ، لتضمنه معنى تصغ لقولهم.
وجملة : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) مستأنفة ، أو خبر لمبتدأ محذوف.
أى : كأنهم وهم جالسون في مجلسك ، مستندين على الجدران ، وقد خلت قلوبهم من الخير والإيمان ، كأنهم بهذه الحالة ، مجموعة من الأخشاب الطويلة العريضة ، التي استندت إلى الحوائط ، دون أن يكون فيها حسن ، أو نفع ، أو عقل.
فهم أجسام تعجب ، وأقوال تغرى بالسماع إليها ، ولكنهم قد خلت قلوبهم من كل خير ، وامتلأت نفوسهم بكل الصفات الذميمة. فهم كما قال القائل :
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ |
|
جسم البغال وأحلام العصافير |
وشبههم ـ سبحانه ـ بالخشب المسندة على سبيل الذم لهم ، أى : كأنهم في عدم الانتفاع بهم ، وخلوهم من الفائدة كالأخشاب المسندة إلى الحوائط الخالية من أية فائدة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٢٤.