الكذب زعموا ، ويتعدى إلى المفعولين تعدى العلم ، كما قال الشاعر :
وإن الذي قد عاش يا أم مالك |
|
يموت ، ولم أزعمك عن ذاك معزلا |
و «أن» مع ما في حيزها قائم مقامهما (١).
و (بَلى) حرف يذكر في الجواب لإثبات النفي في كلام سابق ، والمراد هنا : إثبات ما نفوه وهو البعث.
أى : زعم الذين كفروا من أهل مكة وأشباههم من المشركين ، أنهم لن يبعثوا يوم القيامة ، لأن البعث وما يترتب عليه من حساب ، في زعمهم محال.
قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الجزم واليقين ، كذبتم فيما تزعمونه من أنه لا بعث ولا حساب .. والله لتبعثن يوم القيامة ، ثم لتنبؤن بما عملتموه في الدنيا من أعمال سيئة ، ولتحاسبن عليها حسابا عسيرا ، يترتب عليه الإلقاء بكم في النار.
وجيء في نفى زعمهم بالجملة القسمية ، لتأكيد أمر البعث الذي نفوه بحرف (لَنْ) ولبيان ان البعث وما يترتب عليه من ثواب وعقاب ، أمر ثابت ثبوتا قطعيا. وجملة (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) ارتقاء في الإيطال. و (ثُمَ) للتراخي النسبي.
أى : قل لهم إنكم لا تبعثون فحسب ، بل ستبعثون ، ثم تجدون بعد ذلك ما هو أشد من البعث ، ألا وهو إخباركم بأعمالكم السيئة ، ثم الإلقاء بكم في النار بعد ذلك.
فالمراد بالإنباء لازمه ، وهو ما يترتب عليه من حساب وعقاب.
واسم الإشارة في قوله : (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يعود إلى البعث وما يترتب عليه من حساب.
أى : وذلك البعث والحساب ، يسير وهين على الله ـ تعالى ـ لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء ، ولا يحول دون تنفيذ قدرته حائل.
فهذا التذييل المقصود به إزالة ما توهموه وزعموه من أن البعث أمر محال ، كما قالوا : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
والفاء في قوله ـ تعالى ـ (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا ..) هي الفصيحة ، أى : التي تفصح عن شرط مقدر.
والمراد بالنور : القرآن الكريم ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٤٨.