يقال : غبنت فلانا ، إذا بايعته أو شاريته ، فكان النقص عليه ، والغلبة لك.
فإن قيل : فأى معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها؟ قيل له : هو تمثيل الغبن في الشراء والبيع (١).
وقال الآلوسى ما ملخصه : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) أى يوم غبن فيه أهل الجنة أهل النار ، فالتفاعل ليس على ظاهره ، كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد ، واختير للمبالغة.
وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. واختاره الواحدي.
وقال غير واحد : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) أى : اليوم الذي غبن فيه بعض الناس بعضا ، بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء ، وبالعكس ففي الحديث الصحيح : «ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار ـ لو أساء ـ ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة ـ لو أحسن ليزداد حسرة ـ وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة ، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم لا يغبنون حقيقة السعداء ، بنزولهم في منازلهم من النار (٢).
ثم فصل ـ سبحانه ـ أحوال الناس في هذا اليوم الهائل الشديد فقال ؛ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً ، يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
أى : ومن يؤمن بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا ، ويعمل عملا صالحا ، يكفر الله ـ تعالى ـ عنه سيئاته التي عملها في الدنيا بأن يزيلها من صحيفة عمله ـ فضلا منه ـ تعالى ـ وكرما ـ وفوق ذلك يدخله بفضله وإحسانه جنات تجرى من تحت ثمارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : خلودا أبديا.
(ذلِكَ) الذي ذكرناه لكم من تكفير السيئات ، ومن دخول الجنات .. هو (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا فوز يقاربه أو يدانيه.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بربهم بأن أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدالة على وحدانيتنا ، وعلى صدق نبينا صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٣٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٢٣.