قال صاحب الكشاف : خصّ النبي صلىاللهعليهوسلم بالنداء ، وعمّ بالخطاب ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إمام أمته وقدوتهم ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان : افعلوا كيت وكيت ، وإظهارا لتقدمه ، واعتبارا لترؤسه ، وأنه مدرة قومه ولسانهم ـ والمدرة : القرية.
أى : أنه بمنزلة القرية لقومه ، وأنه الذي يصدرون عن رأيه ، ولا يستبدون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وساد مسد جميعهم (١).
وهذا التفسير الذي اقتصر عليه صاحب الكشاف ، هو المعول عليه ، وهو الذي يناسب بلاغة القرآن وفصاحته ، ويناسب مقام النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : الخطاب له ولأمته : والتقدير : يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم ، فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه.
وقيل : هو خطاب لأمته فقط ، بعد ندائه ـ عليهالسلام ـ وهو من تلوين الخطاب ، خاطب أمته بعد أن خاطبه.
وقيل : إن الكلام على إضمار قول ، أى : يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم (٢).
والحق أن الذي يتدبر القرآن الكريم ، يرى أن الخطاب والأحكام المترتبة عليه ، تارة تكون خاصة به صلىاللهعليهوسلم كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
وتارة يكون شاملا له صلىاللهعليهوسلم ولأمته كما في هذه الآية التي معنا ، وكما في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).
وتارة يكون صلىاللهعليهوسلم خارجا عنه كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ، وَلا تَنْهَرْهُما ، وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٣).
فصيغة الخطاب هنا وإن كانت موجهة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أنه ليس داخلا فيها ، لأن والديه لم يكونا موجودين عند نزول هاتين الآيتين.
والمراد بقوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أى : إذا أردتم تطليقهن ، لأن طلاق المطلقة من باب تحصيل الحاصل.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٥٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٥٥.
(٣) سورة الإسراء : ٢٣ ، ٢٤.