ثم قال ـ رحمهالله ـ : ومن هاهنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق ، وقسموه إلى طلاق سنة ، وطلاق بدعة.
فطلاق السنة : أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، أو حاملا قد استبان حملها.
والبدعى : هو أن يطلقها في حال الحيض ، ـ وما يشبهه كالنفاس ـ ، أو في طهر قد جامعها فيه ، ولا يدرى أحملت أم لا؟ .. (١).
وتعليق (طَلَّقْتُمُ) بإذا الشرطية ، يشعر بأن الطلاق خلاف الأصل ، إذ الأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على المودة والرحمة ، وعلى الدوام والاستقرار.
قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ...).
قال القرطبي : روى الثعلبي من حديث ابن عمر قال : قال رسول صلىاللهعليهوسلم «إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
وعن أبى موسى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله ـ عزوجل ـ لا يحب الذواقين ولا الذواقات».
وعن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما حلف بالطلاق ، ولا استحلف به إلا منافق» (٢).
والمراد بالأمر في قوله ـ تعالى ـ : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم اتباعه إذا ما أرادوا مفارقة أزواجهم ، ونهيهم عن إيقاع الطلاق في حال الحيض أو ما يشبهها كالنفاس ، لأن ذلك يكون طلاقا بدعيا محرما ، إذ يؤدى إلى تطويل عدة المرأة لأن بقية أيام الحيض لا تحسب من العدة ، ويؤدى ـ أيضا ـ إلى عدم الوفاء لها ، حيث طلقها في وقت رغبته فيها فاترة ...
ولكن الطلاق مع ذلك يعتبر واقعا ونافذا عند جمهور العلماء.
قال القرطبي : من طلق في طهر لم يجامع فيه ، نفذ طلاقه وأصاب السنة ، وإن طلقها وهي حائض نفذ طلاقه وأخطأ السنة.
وقال سعيد بن المسيب : لا يقع الطلاق في الحيض لأنه خلاف السنة ، وإليه ذهبت الشيعة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٦٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٤٩.