وقرأ ابن كثير (مُبَيِّنَةٍ) بفتح الياء ـ أى : بفاحشة قامت الحجة على مرتكبيها قياما لا مجال معه للمناقشة أو المجادلة.
أى : واتقوا الله ربكم ـ أيها المؤمنون ـ فيما تأتون وتذرون ، ومن مظاهر هذه التقوى ، أنكم لا تخرجون زوجاتكم المطلقات من مساكنهن إلى أن تنقضي عدتهن ، وهن ـ أيضا ـ لا يخرجن منها بأنفسهن في حال من الأحوال ، إلا في حال إتيانهن بفاحشة عظيمة ثبتت عليهن ثبوتا واضحا.
فالمقصود بالجملة الكريمة نهى الأزواج عن إخراج المطلقات المعتدات من مساكنهن عند الطلاق إلى أن تنتهي عدتهن ، ونهى المعتدات عن الخروج منها إلا عند ارتكابهن الفاحشة الشديدة القبح.
وأضاف ـ سبحانه ـ البيوت الى ضمير النساء فقال : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) للإشعار بأن استحقاقهن للمكث في بيوت أزواجهن مدة عدتهن كاستحقاق المالك لما يملكه ، ولتأكيد النهى عن الإخراج والخروج.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، أن المطلقة لا يصح إخراجها أو خروجها من بيت الزوجية ما دامت في عدتها ، إلا لأمر ضروري.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) أى : من مساكنهن عند الطلاق إلى أن تنقضي عدتهن ... وعدم العطف للإيذان باستقلاله بالطلب اعتناء به ، والنهى عن الإخراج يتناول بمنطوقه عدم إخراجهن غضبا عليهن ، أو كراهة لمساكنتهن ... ويتناول بإشارته عدم الإذن لهن بالخروج ، لأن خروجهن محرم ، لقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَخْرُجْنَ) فكأنه قيل : لا تخرجوهن ، ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك ، ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن ، فهناك دلالة على أن سكونهن في البيوت حق للشرع مؤكد ، فلا يسقط بالإذن .. وهذا رأى الأحناف.
ومذهب الشافعية أنهما لو اتفقا على الانتقال جاز. إذ الحق لا يعدوهما ، فيكون المعنى : لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) يرى بعضهم أنه راجع إلى (وَلا يَخْرُجْنَ) فتكون الفاحشة المبينة هي نفس الخروج قبل انقضاء العدة ، أى : لا يطلق لهن في الخروج ، إلا في الخروج الذي هو فاحشة ، ومن المعلوم أنه لا يطلق لهن فيه ، فيكون ذلك منعا من الخروج على أبلغ وجه .. كما يقال لا تزن إلا أن تكون فاسقا ... (١).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٣٣.