فالجملة الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الإرشاد لحمل النفوس المتجهة نحو الطلاق .. إلى التريث والتعقل ، وفتح باب المواصلة بعد المقاطعة والتقارب بعد التباعد ، لأن تقليب القلوب بيد الله ـ عزوجل ـ وليس بعيدا عن قدرته ـ تعالى ـ تحويل القلوب إلى الحب بعد البغض.
قال القرطبي : الأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه ، فيراجعها.
وقال جميع المفسرين : أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حكما يتعلق بما بين الزوجين من حقوق فقال ـ تعالى ـ : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ..).
والفاء في قوله (فَإِذا بَلَغْنَ ...) للتفريع على ما تقدم من أحكام تتعلق بالعدة.
والمراد ببلوغ أجلهن ، مقاربة نهاية مدة العدة بقرينة ما بعده ، لأن الرجل لا يؤمر بإمساك زوجه بعد انقضاء عدتها ، لأن الإمساك يكون قبل انقضائها.
فالكلام من باب المجاز ، لمشابهة مقاربة الشيء ، بالحصول فيه ، والتلبس به.
والمراد بالإمساك المراجعة وعدم السير في طريق مفارقتها.
والمعروف : ما أمر به الشرع من حسن المعاملة بين الزوجين ، وحرص كل واحد منهما على أداء ما عليه لصاحبه من حقوق.
والمعنى : لقد بينت لكم جانبا من الأحكام التي تتعلق بعدة النساء ، فإذا قاربن وشارفن آخر عدتهن ، فأمسكوهن وراجعوهن بحسن معاشرة ، أو فارقوهن بمعروف بأن تعطوهن حقوقهن كاملة غير منقوصة ، بأن تكفوا ألسنتكم عن ذكرهن بسوء ..
والأمر في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَ) ، و (فارِقُوهُنَ) للإباحة ، و «أو» للتخيير.
والتعبير بالإمساك للإشعار بأن المطلقة طلاقا رجعيا لها حكم الزوجة ، ما عدا الاستمتاع بها ، فعليه أن يستمسك بها ، ولا يتسرع في فراقها ، فهي ما زالت في عصمته.
وقدم ـ سبحانه ـ الإمساك على الفراق ، للإشارة إلى أنه هو الأولى رعاية لحق الزوجية ، وإبقاء للمودة والرحمة.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٥٦.